نقلة نوعية في تدبير المياه: مشروع ضخم لتحصين المستقبل المائي بالمغرب
في قلب منطقة العرائش الخضراء، وتحديدًا على بعد كيلومترات معدودة من مدينتي العرائش والقصر الكبير، يبرز سد دار خروفة كواحد من المشاريع المائية الكبرى التي تعكس التزام المغرب برؤية متبصرة في تدبير موارده المائية، استجابة لمتطلبات التغير المناخي وتحديات الأمن المائي والغذائي.
منذ إعطاء الملك محمد السادس، نصره الله، انطلاقة أشغال بناء هذا السد في 9 فبراير 2010 بجماعة زعرورة، برزت هذه المنشأة كأحد النماذج المتقدمة في سياسة بناء السدود، التي دشنت في ستينيات القرن الماضي بقيادة المغفور له الحسن الثاني، واستمرت بقوة في عهد الملك محمد السادس، حيث بلغ عدد السدود الكبرى في المملكة اليوم 154 سداً، بطاقة استيعابية تناهز 20.8 مليار متر مكعب، من بينها 61 سداً تم تشييدها بعد سنة 1999.
سد دار خروفة، بسعته البالغة 480 مليون متر مكعب، دخل حيز الخدمة منذ سنة 2018، ليؤمن سقي حوالي 21 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، إلى جانب تزويد جهة طنجة تطوان الحسيمة بالماء الصالح للشرب. كما أصبح يمثل ثاني أكبر سد تابع لوكالة الحوض المائي اللكوس، حسب ياسين وهبي، مدير التخطيط والتقييم بالوكالة.
ومن أجل تعزيز فعاليته، تم إطلاق مشروعين مهيكلين لربطه بكل من سد التاسع أبريل وسد وادي المخازن. المشروع الأول رصد له غلاف مالي بقيمة 187 مليون درهم، وينقل 50 مليون متر مكعب سنويًا إلى مدينة طنجة. أما المشروع الثاني، الذي كلف حوالي 840 مليون درهم، فيُعنى بتحويل 100 مليون متر مكعب إضافية لدعم الزراعة وضمان استدامة الموارد المائية.
ويمتد مسار الربط بين سد وادي المخازن ودار خروفة على مسافة 40 كيلومترًا، ويهدف إلى تدعيم تزويد مدينة طنجة الكبرى بالماء الشروب، ومواكبة متطلبات المناطق الفلاحية المجاورة، في ظل تصاعد التحديات المرتبطة بندرة المياه.
تقنيًا، السد من النوع الترابي بنواة طينية، ويضم حاجزًا رئيسيًا بارتفاع 73.5 مترًا، وحاجز فج، إضافة إلى برج لآخذ المياه ومفرغي حمولة وقعر. ويؤكد محسن العسري، رئيس السد، أن عملية مراقبة سلامة المنشأة تتم بشكل يومي لضمان جاهزيتها الدائمة، مشيرًا إلى أن تكلفة المشروع بلغت 1.5 مليار درهم، في حين بلغ حجم الردم بالحاجزين نحو مليوني متر مكعب.
وتحتوي حقينة السد حاليًا على 112 مليون متر مكعب، أي ما يعادل 23% من سعته الإجمالية، بحسب ما صرح به وهبي. ويُخصص جزء من هذه المياه لسقي حوالي 10 آلاف هكتار مجهزة، تُروى سنويًا بنحو 22 مليون متر مكعب، بينما يتم تحويل 50 مليون متر مكعب سنويًا لتأمين حاجيات طنجة من الماء الصالح للشرب.
سد دار خروفة، إذن، ليس مجرد بنية تحتية، بل هو تعبير عن إرادة وطنية في مواصلة بناء منظومة مائية قوية، قادرة على دعم التنمية الفلاحية، وضمان الأمن المائي شمال المملكة، ضمن استراتيجية استشرافية تؤمن مستقبل الأجيال القادمة.