حين تُربط المسؤولية بالمحاسبة تزدهر الأوطان
في خضم التحديات التي يواجهها المغرب، تبرز حاجة ملحّة إلى مقاربة جديدة في إدارة الشأن العام، مقاربة تتأسس على العمل الجاد في صمت، والالتزام بقيم النزاهة والكفاءة، بعيدا عن المزايدات الشخصية وتصفية الحسابات الضيقة.
لقد آن الأوان لتجاوز مرحلة “فلان يقطر الشمع على فلان” و”فلان يحفر لفلان”، وهي سلوكيات تُعيق مسار التنمية وتزرع الفتنة داخل المؤسسات، بدل أن توحّد الجهود لخدمة الصالح العام.
ما يحتاجه المغرب اليوم هو بيئة عمل يسودها الاحترام المتبادل، والانكباب الجماعي على ورش الإصلاح، بعقلية مواطِنة مسؤولة.
ففي مجال الصناعة والتسيير والإدارة العمومية، لا بد من أن تُصبح الجودة معيارًا غير قابل للمساومة. على كل مسؤول أن يُقدّم أداءً بمستوى التحديات، وأن يُحاسب إذا ما أخلّ بواجباته أو تحوّلت المصلحة العامة في عهده إلى مصلحة خاصة.
ومن هذا المنطلق، فإن ربط المسؤولية بالمحاسبة يجب أن لا يظل شعارًا يُردّد في المناسبات، بل أن يتحول إلى سلوك مؤسساتي دائم، لا يستثني أحدًا مهما علا منصبه أو تشعبت علاقاته.
وفي هذا السياق، يجب محاسبة كل من تطاول على المال العام، وفتح تحقيقات شفافة حول ثروات من دخلوا السياسة بلا شيء، وأصبحوا من الأغنياء والأعيان بين عشية وضحاها. إن منطق “من أين لك هذا؟” يجب أن يُفعَّل بجرأة، لا بغرض الزجّ بالأشخاص في السجون فقط، بل من أجل استرجاع كل ما تم اختلاسه، سواء كان مسجلاً باسم السياسي أو باسم زوجته أو أحد أقاربه. فالثروة المنهوبة ملك لهذا الشعب، ولا يمكن السكوت عنها تحت أي ذريعة.
إن عدم تفعيل هذا المبدأ يطرح سؤالاً مشروعًا: لماذا هذا التهافت الكبير على لوائح الأحزاب والزي الرسمي للسياسة؟ أهو فعلاً حبٌّ للوطن وخدمة للصالح العام، أم سعي إلى الاغتناء السريع واستغلال النفوذ؟ من العار أن نرى من كانوا بلا دخل ثابت، وقد أصبحوا فجأة أصحاب ضيعات فلاحية ومشاريع تقدر بالملايير، في اسم شركات لزوجاتهم او ابنائهم في ظل غياب التبرير والشفافية.
لذلك، فإن المغرب اليوم في حاجة إلى تنقية الحياة السياسية، وإعادة الاعتبار لمفهوم النبل في خدمة الوطن، عبر تفعيل آليات المراقبة، وتعزيز الشفافية، وتحقيق العدالة الاقتصادية، وإعطاء الكلمة لمن يستحقها من أبناء هذا الشعب.
أما على صعيد الإدارة، فإن تشبيب المرفق العمومي بات ضرورة، من خلال خلق مناصب شغل جديدة تستوعب الكفاءات الشابة، وتفتح المجال أمام دينامية جديدة داخل دواليب الدولة، بينما يُفسح المجال للمغادرين إلى التقاعد بشرف، بعد أداء مهماتهم.
لا يمكن للمغرب أن ينهض إلا برجال ونساء يعملون في صمت، ويتحلّون بالضمير، ويُؤمنون بأن خدمة الوطن أمانة وليست غنيمة. فإما أن نُصلح الوضع ونبني مستقبلاً نظيفاً، أو نتركه يتآكل من الداخل، حتى يفوت الأوان.