نقل مراكش على طاولة الاتهام: مليارات تُحرق… وحقّ التنقّل يُدهس 

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

في واحدة من أقوى الصرخات الحقوقية التي عرفتها المدينة في السنوات الأخيرة، فجّرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فرع المنارة مراكش، ملف النقل الحضري وشبه الحضري، واضعة إياه مباشرة في قفص الاتهام، ومعتبرة أنه تحوّل من مرفق عمومي يفترض أن يخدم الساكنة إلى نموذج صارخ لهدر المال العام وتبديد حقوق المواطنين.

الجمعية، في بلاغ شديد اللهجة توصلت به الجريدة، اعتبرت أن مشروع الحافلات الكهربائية، الذي قُدِّم للرأي العام باعتباره عنواناً للحداثة والتنمية المستدامة، لم يكن سوى “واجهة خضراء” لابتلاع ميزانيات ضخمة دون أي أثر حقيقي على جودة التنقل، قبل أن يتحول إلى رمز للفشل وسوء التدبير وغياب المحاسبة.

وطالبت الهيئة الحقوقية بفتح تحقيق قضائي شامل لا يستثني أحداً، يكشف تفاصيل الدعم العمومي والامتيازات المالية التي أغدِقت على الشركات المفوض لها، مع إخضاع كل مراحل التدبير لافتحاص مالي صارم يحدد المسؤوليات ويربطها بالمحاسبة، في ظل ما وصفته بشبهات فساد تحيط بالعقود والصفقات وعلاقات المناولة التي تُسحق فيها حقوق الشغيلة بلا حسيب ولا رقيب.

ولم تتردد الجمعية في التأكيد على أن تعاقب الشركات على تدبير القطاع، من “ألزا” الإسبانية إلى “سوبراتور” المغربية، لم يغير من الواقع شيئاً، بل أعاد تدوير نفس المنطق القائم على الاحتكار وتغليب الربح على الخدمة العمومية، في مدينة تجوبها حافلات مهترئة، وتقطع شوارعها طرق محفّرة تفتقد لأبسط شروط السلامة والكرامة الإنسانية.

وفي قراءة قاسية للواقع العمراني، اعتبرت الجمعية أن مشروع “مراكش الحاضرة المتجددة” سقط سقوطاً مدوياً، بعدما انكشف زيف الشعارات أمام واقع يومي عنوانه أرصفة مكسّرة، وطرقات متآكلة، وحفر تحاصر مستعملي الطريق، ما جعل المشروع يتحول من رهان تنموي إلى مجرد حملة دعائية بلا روح ولا أثر.

وحمّلت الهيئة الحقوقية وزارة الداخلية مسؤولية مباشرة فيما آل إليه القطاع، متهمة إياها بالتحكم في مسار الصفقات وتعطيلها، بما يشبه مصادرة صلاحيات المؤسسات المنتخبة، وتكريس مركزية القرار على حساب الديمقراطية المحلية. واعتبرت أن هذا النهج كان له ثمن اجتماعي باهظ، دفعته الأحياء الشعبية والمناطق الهامشية التي عُزلت فعلياً عن قلب المدينة.

وسجّل البلاغ أن غياب خطوط نقل حيوية تربط أحياء كالمسيرة والضحى بالحي الصناعي، وعزل مناطق السعادة والسويهلة ودار السلام وتامنصورت والفخارة، حوّل التنقل اليومي إلى رحلة عذاب، وأفرغ الحق في التعليم والعمل من مضمونه، وجعل الزمن اليومي للمواطن يُستنزف بين الانتظار والاكتظاظ والمعاناة.

وفي الوقت الذي تتدهور فيه الخدمة، نبهت الجمعية إلى أن الحل المعتمد كان دائماً هو الأسهل والأقسى في الآن نفسه: الرفع من تسعيرة التذاكر وتحميل الكلفة للطبقات الشعبية، في تكريس واضح لمنطق طبقي يضرب في العمق مبدأ العدالة الاجتماعية، ويغض الطرف عن المطالب المتكررة بفتح تحقيقات في العقود السابقة، بما فيها التمديد المثير للجدل لشركة “ألزا” لثماني سنوات إضافية، والذي وصفته بـ”التواطؤ الصارخ”.

ودعت الجمعية إلى القطع النهائي مع سياسة الترقيع والاعتراف الصريح بفشل الخيارات الحالية، مطالبة بوضع مخطط نقل حديث، مندمج ومستدام، يواكب التوسع العمراني المتسارع للمدينة، ويعيد الاعتبار للنقل العمومي كخدمة اجتماعية لا كسلعة تجارية، مع ضمان حقوق الشغيلة عبر إنهاء عقود المناولة وتحسين الأجور وظروف العمل.

وختمت الجمعية موقفها بالتأكيد على أن استمرار هذا الوضع ليس مجرد اختلال إداري، بل انهيار شامل لقطاع حيوي، وانتهاك ممنهج لحقوق دستورية مكفولة، مشددة على أن الحق في التنقل ليس منّة ولا امتيازاً، بل حق أصيل، لن يستقيم إلا بمساءلة حقيقية تكشف أين صُرفت الأموال العمومية، ومن حوّل مراكش إلى مدينة تدفع فيها الساكنة ثمن الفشل من كرامتها اليومية.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.