تثبت المظاهر المرافقة لبلورة فعل ثقافي قائم على الخصوصية وتعدد مشارب وروافد الإمداد الموازر والمسعف لذات الخصوصية على احتواء واشتمال التنوع في تصييغ مشروع ثقافي لا يهادن الأشكال التعبيرية مادية أو شفاهية في إطار استلهام التراث، أو تلك الحداثية المنبنية على اعتصار بواطن السريرة السيميائية في إشارية تعدد أجناس التعبير، الملتحمة في وحدة الجوهر وماهوية التحريك والتحرك بين ما يظهر أو يخفى ويستغلق ويلتبس في عملية الفهم والتصييغ المعرفي للثقافة، ما يؤجج أبعاد بوادر التراجع في تيمات تحصين وإقواء المشروع الثقافي برمته كما هو شأن هذا الواقع الثقافي من الجهة المؤسساتية، وتخصيصا منها المؤسسة المنتخبة بالمدينة مراكش.
فالعملية الثقافية من تنزيل أنها غير عملية إبداعية استحداثية للتماثل المنصت للدوران بين ما هو تعبير وجودي، هي اختراق لأشكال وأنماط وقوالب اليومي الضاغط في ديمومة الإنتاج للشاهد الذي يظل مسكوتا عنه في فعل المثاقفة بين المتشتت القابل للتجانس في وحدة فعل الإنشاء وإنعاش فورة المشروع الثقافي الذي يرهن التنمية المستدامة بتبكير الإقتراب من مجموع النماذج التي تسامت الأشياء وتقوي من مشروعية المشروع الثقافي في كليته، وأيضا، هي انحياز وإنجاز لبرهنة الإنتماء العميق المتأصل في رؤية المزاوجة بين المعيش وتسخيره في عملية الإنتاج الثقافي، خصوصا، إذا ما اقترنت المقاربة التدبيرية بالربط الوثيق للسياسة الثقافية المحلية في شمول العملية، وبالمخطط التنموي الجماعي ضمن شروط النهوض بالمشروع، وراهنية الأسئلة، وأمام ممكنات البناء للقراءة الموضوعية للواقع الإجتماعي في سياق تصور المجالس الجماعية للعملية الثقافية التي تبقى مفكرا منزاحا ومزاحا عن إشراك هذا البناء للثقافة في عملية الإستدامة للتنمية، وتغييبه في المخطط التنموي المحلي العام الذي لا يظاهر إلحاحية احتياجات التكامل والتوافق في متوالية التدبير للشأن المحلي، الذي يظل ويبقى خارج تبصر وتحسس الفعل الثقافي بالمدينة مراكش، وليس بداخل في تلمس أناة الروية وفراسة الإكتراث والتعبييء والإشتغال الثقافي الذي تستقيم في إطاره الرؤية وتتوازن من خلاله الأبعاد مع مقتضيات التنمية الثقافية المستديمة بتنوع روافدها وتعددها الذي يمثل الخصائص المحلية في تركيب المجزء، لإنشاء بنية كلية موسومة بالتعبير المتمايز، مصحوبة بوحدة الفعل التدبيري الذي ينبري مركزية للإقتراب من الإهتمام الثقافي بمدينة آخذة في التمدد، مقتحمة للحاضر الدولي الذي أصبح يمثل ويشكل أبرز معطيات التأسيس للفعل الثقافي بالمدينة مراكش، التي بحكم مستوعبها “البراني” تصنف ثقافيا مدينة “دولية”، تسييرها على هذا المستوى يطلب “الكفاءة” السياسية والإدارية اللذين وحدهما يمكنان من تدبير المشهد تبعا لنظام يجسد ويوقر الإرادة الإنتخابية ضمن تمثلات المحلي، وتطلعات البراني، وإخضاع هذا الوافد ضمن نطاق تصور شمولي يجتث نظاميته انطلاقا من تدابير المؤسسة المنتخبة، وعدم انسجام المؤسسة المنتخبة على المستوى المحلي، مع معطيات الراهن الثقافي بالمدينة، هو ما يشكل حجر العثرة في نهوض البعد الثقافي بدوره في عملية التنمية المستدامة بالمدينة، ويعرف على مستواها خللا، كما يظهره خلال الأيام القليلة الماضية تدبير التسيير الإداري لأوضح معالمه، المسرح الملكي الذي عرفت إدارته تنصيبات مستفزة لا محالة تؤثر على مردودية البناية التي كانت إلى حين تتشوف إدماجها في المنظومة الثقافية بالمدينة، التي تتنفس على أنشطة مندوبية وزارة الثقافة ومبادرات الجمعيات العاملة بالقطاع.
خلفية هذا الإرتكاس الثقافي بالمدينة مراكش، يتصدره القسم الثقافي التابع للمؤسسة المنتخبة الذي يعكس ليس على مستوى المورد البشري لإدارته، وإنما على مستوى البرمجة الثقافية لأنشطته، الإبتعاد عن “الإشراك والتشاركية”، في توطين قوائم ثقافية، تقوم عبرها الجمعيات الثقافية بالمجتمع المدني، بمثابة القوة التي تعطي للتصور الجماعي في ممارسة الفعل الثقافي اتزانه وتواصله واستمراره، في إطار مسايرة فاعلة ومنفعلة ومتفاعلة ومفعلة للتدبير الثقافي بالمدينة، أبعاده ودلالته الإجتماعية، ورابط للرؤية الجماعية التي أداتها وآلياتها الجمعيات الثقافية في تحقيقها للتنمية المستدامة، كونها كيانا مستجمعا لتمفصلات الإختيارات والتوجهات التي يحملها المشروع الثقافي المحلي، وأطروحاته التأسيسية التي تحتاج عمليات الترجمة لها في الواقع مساندة القسم الثقافي بالمؤسسة المنتخبة، والذي يوجه أكبر العناية بالبرامج الترفيهية التي تخالطها نيات الإستقطاب الحزبي، وتمازجها عناصر التأثير في الإرادة الإنتخابية، تنشيط مشروخ، لا يحمل “سؤالا فرجويا” أو “لذة استقرائية” أو “متعة معرفية” تناهض الإبتذال وانكسار الوعي وإدراك الحاجة من ممارسة الثقافة، باعتبارها داخلة في تحقيق التنمية المستدامة، وانطلاقا من البرمجة المؤسساتية التي تفتح للصيرورة منفذ استدامة الحاضر في التاريخ، والتاريخ في إشكالات الحاضر وإنتاجه الثقافي الذي ذبحه الترفيه في البرنامج المؤسساتي الذي لا يستجيب أو يمكنه أن يتلاقى مع الحاجة الجماعية في تدبير القطاع على مستوى المؤسسة المنتخبة.
إرتكاسية تدبير الشأن الثقافي على مستوى ذات المؤسسة المنتخبة بالمدينة مراكش، سيما، خلال السنوات القريبة، تنخزل على جانب آخر من عملية النكوص، في عبث التعيينات بمواقع المسئولية بالمرفق الثقافي ذي الحساسية التي لا تقبل غير إفراط المد الثقافي دون غيره من الإمدادات المتسمة بالشوفينية الحزبية والسياسة، على غرار ما شهده ويعرفه المسرح الملكي التي انتهت إدارته مؤخرا، إلى التبعية الحزبية المدبرة للشأن المحلي بمراكش، ضمن عملية يفتحها تأويل التعيين على إرادة مستبدة بإشراك مكونات التمثيلية الثقافية للمدينة بذات المؤسسة، أو على خارجها من الكفاءات الإدارية التي ينزاح بها العزوف عن ممارسة الحزبي/ السياسي ويخرج الكاريزما الثقافية التي بنتها انطلاقا مما هو ثقافي/معرفي من الحضور في دائرة هذا التدبير، الأمر الذي يفرغ “المشاركة والتشاركية” من محتوى الدلالة التدبيرية للشأن المحلي، وهذا الفراغ هو ما استدركته أطر عليا بمراكش، ودفع بها خلال الربع الأخير من العام 2017 إلى اتخاذ هوية وصفة حزبية.
وفي رأي المتتبعين للشأن المحلي، أن التعيين الأخير بإدارة المسرح الملكي، لا يبتعد سعيه عن توجه السيطرة والهيمنة، في اتجاه القول بالحزب الواحد، وفي اتجاه محاورة متفردة في قراءة المشهد الثقافي بمراكش، والذي يعمل ويشتغل بمؤثر التعدد والتنوع، والضغط أيضا، في اتجاه استغلال الثقافة ووضعها رهن مرجعية التفوق وامتياز الإرادة الشعبية التي أبلغت إلى تدبير الشأن الحزبي، وأمكنته منه.