الذين يستثمرون اللهجة الدارجة في التحرير الإعلامي والصحافي على وجه التحديد، يفصحون بما لا يدع مكانا للريبة عن عجزهم البين، وجهلهم بضوابط اللغة العربية، فهم يعترفون دون إكراه على أنهم يتجلببون بجلابيب الإسفاف اللغوي، وينحدرون نحو درك التعابير الركيكة، والفاقدة للحياة التي تنبثق من قدسية اللغة، ومن أصالتها ومكانتها في التاريخ، وقابليتها للتعايش مع الحاضر والمستقبل.، فلا غرو إذن، إذا تعلق الذباب بموائد النتانة، وتغيوا هم الإفصاح عن قصور قاموسهم اللغوي، والتصييغي، والتعبيري والأسلوبي، والجمالي، ليستبدلوا الدينار الذهبي للغة بدرهمهم المبخوس القيمة، بالميل إلى شطحات دارجة بليدة ، ومبلدة للمرسل والمرسل إليه، دون أن تحقق أدنى أسباب الترقي اللغوي والحضاري، اللذين يحققهما اللفظ اللغوي العربي الفصيح، الماتح من قوة البلاغة، وسلاسة الأسلوب وعذوبة اللفظ ومتانة التعبير، فهم ” كالأنعام و أضل “.
اللغة العربية ترجمان اللسان القويم، وعنوان الثقة في النفس، وصك اعتراف لقدرة المبلغ على تسريب رسالة التبليغ والإبانة والإفصاح، ودلالة على بلوغ صاحبها، الناطق بها، والمتباهي بوسامة قيادتها لتمفصلات التواصل بين مكوناتها، أوج التعبيرالسليم الذي تتحجم أمامه كل اللهجات العابرة لأدمغة ينخرها العجز، ويصطلي أصحابها بنيران الدناءة اللغوية، وسوء السلوك التعبيري، من قبيل الدخيل اللهجي على نسق وظيفة اللغة في استعمالها ضمن قطاع الإعلام والصحافة، اللذين يعدان أساسا قطاعا ثقافيا بامتياز، يشد عن إسناد لهجي يتسم بالفقر على مستوى الحقول الدلالية، ذلك، أن قدسية الإمتداد المقالي اللغوي العربي يرفض بكل صيغ الرفض الدخيل من القول، من قبيل ” لاش ، علاش، ها علاش”، وهو استعمال بقدر ما يحط من قيمة الهدف، فبنفس القدر يؤكد على انحطاط اللائد بمثل هذا القاموس المرفوض جملة وتفصيلا.
فمحاولة ( تجميل ) المقالة أيا كان نوعها، هي محاولة استجمام في مخيمات العراء والفضائح، والمستنقعات الآسنة، الممجوجة، وإتقان لدعارة القول البئيس، الذي يعدم من يحتضنه، ويعتني به.