على غرار المسلمين في العالم، يستقبل مسلمو فرنسا شهر رمضان المبارك بتعظيم شعائر الله التي تزيد من تقوى المؤمن وطاعته لخالقه، كما يستعدون لقضاء الشهر الفضيل في ظل اجواء تتسم بالكرم والتضامن والسمو الروحي.
وحتى يمر هذا الشهر المبارك في افضل الظروف بالنسبة للمسلمين، اتخذت كبريات الفيدراليات الممثلة للمسلمين بفرنسا (نحو تسع فيدراليات) ترتيباتها مقدما من اجل اعادة تهيئة اماكن العبادة، التي تقام فيها الصلوات الخمس وصلوات التراويح ،بل احيانا توسيعها، بالنظر الى الاقبال الكثيف الذي تشهده من لدن المسلمين من مختلف جنسياتهم.
وفي هذا الاطار، استقبلت المساجد السبعمائة التابعة لاتحاد مساجد فرنسا، وعلى رأسها، مسجد إيفري كوركورون (الضاحية الباريسية) 164 من الأئمة والمرشدين والمرشدات، الذين أوفدهم المغرب من أجل تأطير المسلمين في هذا الشهر الفضيل، خاصة الذين يتحدرون من أصول مغربية.
ففي بلد يعتبر فيه الاسلام ثاني ديانة بنحو خمسة ملايين مسلم، سيعمل هؤلاء الائمة والمرشدين والمرشدات، بالاضافة الى الجانب المتعلق بممارسة العبادة، تنشيط ندوات، وأمسيات دينية ضمن الاحترام التام للثوابت الدينية والمذهبية للمملكة.
وتمتد هذه الاجواء المفعمة بالاخوة بين المسلمين، الى خارج المساجد، لتشمل الجيران والاصدقاء والمعارف التي تنتمي على الخصوص إلى الديانات السماوية الأخرى، الذين لا يترددون في الاستجابة بشكل ارادي، لدعوات تقاسم موائد الافطار، وهي مناسبة لتبادل أطراف الحديث حول العديد من القضايا سواء ذات الصلة بالعبادة او الثقافة في اجواء من الود والاحترام المتبادل.
الى ذلك يبادر المسلمون، وخاصة الشباب منهم، الى تنظيم موائد افطار جماعية خارج المنازل، في الحدائق والمنتزهات والاماكن التاريخية وغيرها.
يشار الى انه تم خلال السنة الماضية تنظيم مئات مائدة افطار جماعي، انطلاقا من شبكات التواصل الاجتماعي، بالحدائق المحيطة ببرج ايفيل، وحول ليزانفاليد، وساحة لاديفونس، بمشاركة الاف الاشخاص دون تمييز في الدين او المعتقد، وذلك ضمن اجواء اخوية سمتها التقاسم والتبادل المثمر.
وفي باريس تحرص المطاعم في عدد من الاحياء التي يتواجد بها المهاجرون بكثافة، وخاصة من اصل مغاربي (باربيس ، سان دوني، كليشي) على ملاءمة عروضها من اجل توفير وجبات حلال للصائمين،بعد نحو 17 ساعة من الامساك.
ولاشك ان الطلب على المنتجات الحلال في فرنسا خلال شهر رمضان، يشهد زيادة كبيرة، حيث تتنافس المتاجر الكبرى والاسواق الممتازة على توفيرها بالشكل الكافي، وهو ما يدر عليها ارباحا مهمة.
وبحسب أرقام نشرت السنة الماضية من قبل وكالة التواصل (سوليس) فان سوق المنتجات الحلال عرفت في ظرف عشر سنوات نموا كبيرا بفرنسا، اذ تجاوز رقم اعمال هذه التجارة 5،5 مليار أورو أي بارتفاع تتراوح نسبته بين 10 و15 في المائة في السنة.
من ناحية أخرى، يضاعف المحسنون خلال هذا الشهر الفضيل الذي يتميز بالتآزر والتقاسم ، من مبادراتهم تجاه المحتاجين، مسلمين كانوا او غير مسلمين، وذلك من خلال تقديم وجبات افطار لهم، واحيانا وجبات سحور ايضا.
ومن تمظهرات اعمال التضامن والاحسان في رمضان الابرك ايضا ، منح مساعدات على شكل مواد غذائية، أو مبالغ مالية لفائدة المعوزين.
على صعيد اخر، يشكل شهر رمضان فرصة للمهاجرين المغاربة من اجل لقاء العائلة او الاصدقاء والجيران خلال أمسيات ملؤها الدفىء والود. وقد تمتد هذه الامسيات خاصة في نهاية عطلة الاسبوع حتى وقت السحور.
كما أن الاسر تضاعف خلال ليالي شهر رمضان المبارك ، من تجوالها لحضور العديد من التظاهرات الثقافية والفنية التي تؤثت أمسيات باريس.
وتحرص العائلات المسلمة قبيل حلول الشهر الفضيل ، كل حسب امكانياتها ،على اقتناء حاجياتها من المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع، خاصة التمور، واعداد وجبات وأطباق مفضلة خلال شهر الصيام، تنضاف الى “الشباكية” و”السفوف” و”البريوات” وحلويات اخرى تؤثت موائد الافطار.
من جانب آخر، يجد أولئك الذين لا تسعفهم الظروف والامكانيات، ضالتهم في أسواق الاحياء التي تقطنها جاليات عربية ومسلمة عديدة ، اذ يكفي القيام بجولة في هذه الاحياء للوقوف على مختلف المنتجات والمواد الغذائية المتنوعة داخل وعلى ابواب متاجر تعرض “شهيوات” من المطبخ المغربي والجزائري والتونسي.
ولاشك ان مسلمي فرنسا يحرصون خلال شهر رمضان، على الرغم من بعدهم عن وطنهم الام ، وظروف الاغتراب، على المزج خلال هذه الايام الفضيلة بين الاجواء الروحانية والودية، والانتصار الى مشاعر وقيم الأخوة والود والتقاسم والتضامن التي يدعو اليها الدين الاسلامي الحنيف.