ازداد دور مواقع التواصل الاجتماعي في النقاش العمومي، مع ارتفاع استخدام شبكة الانترنيت، حيث أضحت تلك المواقع تنقل النقاشات، وأيضا الاحتقانات الاجتماعية، وحتى الإشاعات وأحيانا التحريض على استهداف بعض الشخصيات العمومية وبعض المؤسسات، ما جعل المغرب يتحول إلى أحد البلدان الأكثر استعمالا للأنترنيت في القارة الإفريقية.
بعض المهتمين يطلقون عل وسائل الاتصال الرقمية هاته عدة مسميات: الإعلام الجديد، أو الإعلام الرقمي، أو الإعلام البديل، أو الإعلام الافتراضي. والذي يشمل الشبكات الاجتماعية الافتراضية، والمدونات، والمنتديات الإلكترونية، والمجموعات البريدية، ومواقع الويب، وغيرها من الأشكال والأنواع المتعددة.
22.5 مليون مستعمل مغربي و26 مليون هاتف محمول و16 مليون ناشط في شبكة الأنترنت في المغرب. وتفيد معطيات الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات أن 60 في المائة من سكان المغرب يستفيدون من الربط بالأنترنيت ذي جودة عالية، وهي أعلى نسبة في إفريقيا. وقد أصبح المغرب ضمن العشر الأوائل عالميا من مستعملي الفايسبوك واليوتوب.
تتميز شبكات التواصل الاجتماعي ب :
– العالمية : حيث تلغى الحواجز الجغرافية والمكانية، وتتحطم فيها الحدود الدولية، حيث يستطيع الفرد في الشرق التواصل مع الفرد في الغرب، في بساطة وسيولة.
– التفاعلية : فالفرد فيها كما أنه مستقبل وقارئ، فهو مرسل وكاتب ومشارك، فهي تلغي السلبية في الإعلام التقليدي وتعطي حيز للمشاركة التفاعلية من المشاهد والقارء.
– سهولة الاستخدام : فالشبكات الاجتماعية تستخدم بالإضافة للحروف وبساطة اللغة، الرموز والصور التي تسهل للمستخدـم التفاعل.
– التوفير والاقتصادية : اقتصادية في الجهد والوقت والمال، في ظل مجانية الاشتراك والتسجيل، فالفر د البسيط يستطيع امتلاك حيز على شبكات التواصل الاجتماعي.
ولمواقع التواصل الاجتماعي لها إيجابيات كثيرة، حيث تبقى هذه المواقع هي الفضاء المفضل للحرية البديلة. وتسمح هذه المواقع المتسمة بالطابع التشاركي والديمقراطي والتلقائية، بمنح متنفس قوي في التعبير عن الرأي الحر والموضوعي، مستفيدة وفي الحالة المغربية من وضعية أن المغرب يمارس نادرا رقابة على مضامين الشبكة العنكبوتية.
وبالمقابل، التعبئة الرقمية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي لها جوانب أخرى مظلمة، من قبيل الاستغلال والتوظيف السهل، من خلال أخبار الإشاعة وانتحال الصفة والهجوم والتحريض على الأشخاص والمؤسسات والشركات. ويمكن للحالة الأوربية أن تقدم نظرة بشأن الجانب السلبي لشبكات التواصل الاجتماعي، وأثرها على وسائل الاتصال التقليدية، وكلفتها السياسية المكلفة (البريكسيت) التعبير الذي ترافق مع الدعوة في بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوربي بدعوة من تيار وحزب المحافظين البريطاني، والذي أدى خلال استفتاء 23 يونيو 2016 إلى التصويت لصالح خروج بريطانيا من الإتحاد الأوربي ب 52 في المائة من الأصوات، ومؤدية كذلك إلى الصعود المتنامي لليمين المتطرف، وتعميم نظرية المؤامرة.
ولا يأتي الخطر فقط من تحرير الكلمة على مواقع التواصل الاجتماعي، بل كذلك من عدم وجود الإطار التشريعي الكافي الذي يؤطر عملية نشر المعلومات على الأنترنت وفي بعض الأحيان كذلك من قلة اهتمام وسائل الإعلام التقليدية بالنقاشات الواردة على الشبكة العنكبوتية.
هل تساهم وسائل التواصل الاجتماعي في تمكين الديمقراطية ؟
الديمقراطية في مأزق .. هذا ما خلصت اليه الكثير من الاراء والدراسات سواء ما تعلق منها بالدول ذات التاريخ العريق في الممارسة الديمقراطية، او ما تعلق منها بالدول التي تمر بمرحلة انتقالية الى الديمقراطية.. الحالة الأمريكية في الجانب الأول وحالة دول الربيع العربي في الجانب الثاني.
بالنسبة للحالة الأمريكية، فقد أجمع العديد من الخبراء أن الحملة الرئاسية الأمريكية بين دونالد ترامب وهيلاري كلينتن لاتشبه أية حملة قبلها، فقد شهدت اتهامات عنصرية ومهينة للنساء ومعادية للأجانب، وعرفت زوال الحدود بين ما هو خاص وما هو عام، وسيطر فيها بشكل كبير ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي، واكتسبت تغريداته المثيرة للجدل شهرة واسعة.
وبالنسبة لحالة دول الربيع العربي، فقد أكدت عدة دراسات أن مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دورا كبيرا في تقويض التحول الديمقراطي فيها، حيث ساهمت هذه الوسائل في استقطابات سياسية عنيفة ونشر الخوف والعداوة بين المجموعات ذات الانتماء السياسي المختلف وتعزيز الانقسام بينها، وهنا نخص بالذكر بالخصوص الحالة المصرية بعد عزل الرئيس حسني مبارك.
لكن وسائل التواصل الاجتماعي ليست السبب الوحيد، لكنها تعترض طريق تدعيم الديمقراطية من خلال تسريع وتكثيف نزعات خطيرة مثل الاستقطاب والخوف وتجريد الخصوم من إنسانيتهم. وأشارت عدة دراسات أن المحتوى المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي يتميّز بأنه سريع وذو عاطفة شديدة ويخلق لنفسه صدىً نتيجة انتشاره في مساحة مغلقة، الأمر الذي يسمح لمَن يتعرضون له بتطوير ردود أفعال أكثر تطرفاً. كما أشارت هذه الدراسات أيضا إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تؤدي بصفة خاصة لجعل الاستقطاب الاجتماعي والسياسي أكثر تدهوراً بسبب قدرتها على نشر صور عنيفة وشائعات مخيفة بسرعة فائقة وبكثافة عبر مجموعات منغلقة نسبياً لأفراد ذوي تفكير متماثل.
مواقع التواصل الاجتماعي تهدد بالفعل الديمقراطية، كلنا نتذكر الاتهامات التي وجهت لروسيا باستعمال مواقع التواصل الاجتماعي لمحاولة التأثير على نتائج الانتخابات بكل من أكرانيا وفرنسا وألمانيا وبالخصوص بالولايات المتحدة الأمريكية. وصرح أنداك فيسبوك أن المنشورات الروسية بما فيها الإعلانات المؤدات عنها قد استهدفت تقريبا 126 مليون أمريكي، أي ما يناهز 40 في المائة من سكان أمريكا. يجب أيضا التذكير باتهامات روسيا للغرب باستعمال مواقع التواصل الاجتماعي لإثارة نزعات الانفصال بكل من أكرانيا وجورجيا. قد أصبح يمثل العالم الافتراضي إذن ساحة حرب أخرى بين القوى الدولية بهدف التأثير على الرأي العام بطريقة أو بأخرى.
بالنسبة للدول الأقل تمكنا في وسائل التكنولوجيا الرقمية، فإن مواقع التواصل الاجتماعي تؤدي إلى استقطاب سياسي حاد، وتحد بذلك من قدرة المسؤولين على إيجاد توافقات سياسية.
وبالتالي، يجب الآن على الدول التفكير في كيفية إخضاع مواقع التواصل الاجتماعي إلى نفس معايير الشفافية والمسؤولية والمحاسبة التي تخضع لها وسائل الإعلام الأخرى. فمثلا في ألمانيا، هناك قانون جديد يلزم الساهرين على مواقع التواصل الاجتماعي بحذف المنشورات الكاذبة والأخبار الغير الصحيحة في أجل 24 ساعة مقابل تطبيق عقوبة مالية قد تصل إلى 50 مليون أورو .. ورغم ذلك تبقى هذه الإجراءات المتخذة على المستوى الدولي غير كافية لأن نسبة كبيرة من المعلومات يتم تخزينها واستعمالها خارج حدود الدول.
ومن هنا تبرز الأهمية لإيجاد قواعد دولية لمنع انحراف مواقع التواصل الاجتماعي عن مهامها التواصلية الصرفة، وبالطبع دون أن يحد ذلك من الحق في حرية التعبير الدي هو مبدأ أساسي لا محيد عنه، ووحدها الانتخابات النزيهة تؤدي إلى تناوب ديمقراطي على السلطة.
التكنولوجيا لن تتوقف والديمقراطية أيضا لن تتوقف، لدى يجب علينا الأخذ بزمام الأمور وتقوية مناعة شعوبنا وديمقراطياتنا ضد كل أشكال الانحراف الرقمي والاستعمال غير المشروع للتكنلوجيا الرقمية، وذلك بضبط قواعد استعمالها وبسن القوانين لذلك وكذلك بالتوعوية والتحسيس من مخاطر انحرافها عن مهامها التواصلية والعلائقية..