بقلم : عبدالقادر كتـرة
يتجمهر العديد من الشبان والأطفال، تتراوح أعمارهم ما بين 14 و18 سنة أمام وكالات الأسفار والنقل الدولي بوجدة يراقبون الحفلات المتجهة إلى الخارج عبر البواخر الراسية بميناء بني انصار بمدينة الناظور. حفظوا عن ظهر قلب شركات الأسفار وأوقات إقلاع الحافلات وأمكنة مواقفها وحتى مرائبها، كما حفظوا أوقات إقلاع البواخر وأسماءها، وحفظوا كل شبر من فضاء ميناء بني انصار، وكل جرعة ماء من مياهه المالحة ملوحة حياتهم.
من هؤلاء من تَمرَّن وتَمرَّس على الاختباء بأمكنة أسفل الحافلات بالمحطة ومَهَر في استغفال المراقبين والوصول إلى مدينة الناظور… وبقدر ما يبرع هؤلاء الشبان في حجز أمكنة دون تذاكر، بقدر ما يستنفر أصحاب وكالة الأسفار وسائقو الحافلات قواهم وحواسهم لحراستها ومنع هؤلاء من الاقتراب منها والتسلل إليها ومراقبتها قبل الإقلاع..
حراسة مشددة على الحافلات قبل إقلاعها
في الوقت الذي كان الطفل مصطفى “الحارك” يدفع جسده إلى داخل “القفص” الذي اختاره انقض على رجليه ثلاثة رجال شداد غلاظ وبدأوا يسحبونه بقوة إلى الخارج. تمسك الشاب بكل قواه بهيكل الحافلة كما يتمسك غارق بحبل نجاة أو يائس بخيط أمل وغرس أظفاره في حديدة من محركها وأصر على المكوث حيث كان…لكن فشل أمام قوة الرجال الذين تمكنوا من سحبه إلى الخارج قبل أن تنطلق الحافلة كالسهم مزمجرة تاركة وراءها سحابة من دخان كثيف وسراب من الآمال والأحلام… أخذ الشاب يصيح ويصرخ ويسب ويشتم ويبكي ويلطم رأسه بالحائط أمام أقرانه ومجموعة من أقرانه، أطفال تتراوح أعمارهم ما بين 14 و16 سنة، كانوا هم كذلك يتحينون الفرصة لاستغفال أصحاب حافلات النقل ويتحينون الفرصة لحجز مكان سري ولو خطير عند فوهة الحافلة أو دواليبها أو عجلاتها…
“نحن نعاني أشد المعاناة مع هؤلاء الأطفال الراغبين في “الحريك” إلى أوروبا، وكلما توقفت الحافلة استعدادا لإركاب المسافرين أو لأمر، ما سواء عند نقطة انطلاقها بوجدة أو نقط توقفها عبر الطريق، إلا استنفرنا أكثر من أربعة مستخدمين لحراسة الحافلة ومراقبة أي تسلل لهؤلاء”، يشتكي صاحب وكالة الأسفار والنقل الدولي بوجدة، ثم يضيف قائلا “إن المصالح المختصة المغربية أو الإسبانية سواء في ميناء بني انصار أو البواخر وميناء ألميريا الإسبانية، تُحمّلنا مسؤولية كلّ تسلل لهؤلاء الأطفال داخل الحافلات التي تراقبها بدقة بأجهزة متطورة إضافة إلى الكلاب المدربة، وتعتقل السائق إذا نجح أحد هؤلاء “الحراكة” في العبور عبر الحافلة.
هؤلاء الأطفال يغامرون بحياتهم وشبابهم بركوبهم لتلك الحافلات في عملية “الحريك” إلى الخارج، متحمِّلين لساعات البرد والرياح والحرارة والدخان وضربات الحصى المتطاير من العجلات من شدة السرعة، مواجهين الأخطار، أخطار الوقوع بين عجلات الحافلات أو الاحتراق بنار محركاتها.
كل هذا طمعا في الوصول إلى الباخرة حيث تبدأ رحلة أخرى مع رجال الأمن ورجال الجمارك ورجال الحراسة الخاصة بالباخرة ثم اجتياز “الشِّبَاك” الاسبانية إن حالفت ذلك الشاب الحظوظ وقُدِّر له أن يصل إلى ميناء “ألميريا” انطلاقا من الناظور وإلى “قادس” انطلاقا من طنجة… ليلتحق بجيش من أقرانه المغاربة والأفارقة المتحدرين من جنوب الصحراء بحدائقها وأزقتها إن عميت عيون الشرطة الاسبانية وكُتِب له أن يخرج سالما من الميناء، وإلا اعتقل وأعيد إلى نقطة الصفر ليُعاود الكَرَّة مرة أخرى بل مرات عديدة دون ملل أو كلل، “لا حياة لي في هذا البلد، فشلت في العديد من عمليات الحريك وسأستمر إلى ان أصل إلى إسبانيا أو أموت في البحر أو تحت عجلة”، يصرح أحد هؤلاء الأطفال مستعرضا بعد أسماء أقرانه الذين تمكنوا من بلوغ الضفة الأخر وبرّ الأمان..
جميع الطرق تؤدي إلى “الفردوس المفقود
نجحت عناصر الأمن الإسباني ب”قادس”، الاثنين 20 أبريل 2015، في توقيف أربعة قاصرين مغاربة، كانوا مختبئين داخل أحد محركات باخرة بميناء طنجة كانت متجهة إلى ميناء طريفة “قادس”.
وحسب بيان للشرطة الوطنية، فقد تم إحباط عملية هجرة القاصرين المغاربة، حيث كانوا في حالة صحية متدهورة، بسبب انخفاض حرارة جسمهم، ليتم إسعافهم ، قبل اتخاذ كافة الإجراءات لإعادتهم إلى بلدهم الأصل.
وفي مغامرة جنونية دونتها الشرطة الإسبانية في سجل تاريخ “الهجرة السرية”، خلال شهر غشت 2014، تمكن قاصر مغربي من الوصول إلى ميناء بلدة طريفة بإسبانيا متشبثا بطرف إحدى السفن المنطلقة من ميناء طنجة في محاولة منه للعبور إلى الضفة الأخرى.
وبعد وصول السفينة إلى الميناء قفز القاصر إلى المياه قبل أن ترصده كاميرا المراقبة، ويتم إلقاء القبض عليه وإيداعه مركز إيواء القاصرين بذات المدينة.
وقد تناقلت وسائل إعلام إسبانية هذه المغامرة الخطيرة التي قام بها القاصر وعرضت إحدى القنوات الفضائية جزءا من الفيديو الذي يظهر القاصر متشبثا بالسفينة قبل أن يقفز إلى المياه ويباشر السباحة للوصول إلى بر النجاة.
وعثرت الشرطة الاسبانية يوم الأحد 29 أبريل 2012 بالمعبر الحدودي بني أنصار على قاصر منحدر من الحسيمة مخبأ بمقصورة حافلة سياحية كانت متجهة من السعيدية الى اسبانيا.
وذكر بلاغ للشرطة الاسبانية أن الطفل كان مخبأ بشكل جيد بين مجموعة من البطانيات وكان يضع أكياس من البلاستيك على قدميه لمنع انتشار الرائحة واكتشاف أمره .
وتضيف نفس المصادر ان الشرطة ألقت القبض على سائق الحافلة ومرافقه ومحاكمتهما والذين نفيا علمهما بوجود الطفل داخل المقصورة كما تم إيداع الطفل بأحد المراكز الاجتماعية المخصصة لإيواء الأطفال.
قاصرون يفقدون حياتهم أو يعنفون من طرف الشرطة الاسبانية
أكدت مصادر إعلامية أن الشرطة الإسبانية بالثغر المحتل مليلية، عثرت على جثة طفل قاصر في الميناء التابع لذات المدينة، توفي بعدما حاول الوصول إلى سفينة للنقل خاصة بنقل المسافرين، وأكدت عناصر الشرطة أنها عثرت على الطفل الذي يتواجد بمدينة مليلية بدون مرافق، بين صخور الميناء حيث تم انتشال جثته وعرضها على الطبيب الشرعي من أجل اصدار تقرير حول الأسباب الحقيقية للوفاة.
وتعرض طفل مغربي لا يتجاوز عمره أربعة عشر سنة، مساء الأحد 2 فبراير 2014، بمعبر باني انصار لاعتداء شنيع على يد أحد الحرس الحدودي الإسباني تطلب نقله على وجه السرعة إلى مستعجلات المستشفى الحسني بالناظور لتلقي الإسعافات الأولية المستعجلة والضرورية.
وتعرض الطفل سفيان الطويل الذي يتحدر من مدينة فاس، حين كان يعتزم عبور معبر بني انصار والدخول إلى مليلية المحتلة، (تعرض) لاعتداء وحشي من طرف حارس أمن إسباني غادر مركزه واقتحم المعبر ووجه ضربات قوية للطفل بعصاه هشمت إحداها رأسه الذي انفجر دماء.
وكان الطفل، بناء على نصيحة مواطنين، يحاول ولوج المعبر، بعد إصابته، وتجاوز الخط الوهمي الفاصل بني انصار ومليلية رغبة في نقله من طرف رجال الأمن الإسبانيين إلى مستشفى مليلية، لكن كان يقوم الحرس الحدودي الإسباني المعتدي بسحله إلى معبر بني انصار، قبل وصول سيارة الإسعاف التي عملت على نقله إلى المستشفى الحسني بالناظور.
حوالي 400 طفل مغربي يجوبون شوارع مليلية
يتجول في شوارع وأزقة مدينة مليلية المحتلة أزيد من 400 طفل جلهم مغاربة يتحدرون من الناظور والجهة الشرقية، حسب ما جاء في بلاغ للجمعية الموحدة للحرس المدني وجهته للسلطات المختصة لإيجاد حل سريع لهاته الفوضى على حد تعبيريها.
هؤلاء الأطفال تحت وصاية المدينة، حسب نفس البلاغ، يجب أن يتواجدون في الملاجئ ليمارسوا أنشطتهم العادية وفق القانون الداخلي الجاري به العمل، وبالنسبة للأطفال المتواجدين بالسجون المفتوحة يجب عليهم احترام الجدول الزمني لهذا الأخير.
وأضاف أن معظم القاصرين الذين دخلوا مليلية تسللوا عبر الأسلاك الشائكة أو عبر البحر عن طريق بني انصار، لهدف الوصول إلى ميناء مليلية باحثين عن أي فرصة للعبور إلى الضفة الأخرى، وبالتالي هم يظلون يتسكعون على جنبات الميناء، يضايقون المسافرين، وسائقي الشاحنات.
وتضيف الجمعية الموحدة للحرس المدني بمليلية أن ضباط الشرطة المحلية تعتقل يوميا ما بين 50 و60 قاصرا تسللوا عبر الشاحنات إلى البواخر، ويتم تسليمهم للملاجئ، التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، لكنهم يخرجون في نفس اليوم ويعيدون الكرّة.
وفي نفس السياق وفي تصريح صحفي ضمن أحد الصحف الوطنية الإسبانية اعتبرت دنيا المنصوري النائبة البرلمانية عن حزب “الائتلاف من أجل مليلية” ونائبة الرئيس الثاني لمجلس المدينة السليبة، “أنه من غير القانوني طرد القاصرين غير المرافقين عندما يبلغون سنّ الرشد، والذين يشكل المغاربة السّواد الأعظم منهم بالثغر”.
وأكدت أنّها تستند في تصريحها على التقارير المتتالية التي يعدّها مكتب المدافع عن الشعب الذي يعتبر ديوانا للمظالم، حيث يعارض طرد القاصرين إلى المغرب بعد أن يبلغوا سنّ الثامنة عشر، “لأن ذلك يعني فقدانهم الحق في امتلاك بطاقة الإقامة بإسبانيا”.
وتعتقد دنيا المنصوري أنّ السبب وراء “تسكّع” 400 قاصر في المدينة المحتلّة، كما تصرح به الجمعية الموحّدة للحرس المدني بمليلية، راجع بالأساس لكونهم يعلمون أنّهم سيطردون حين يبلغون سنّ الرّشد لأنّهم يحملون الجنسية المغربية، وهو الأمر الذي تسمح به الاتفاقيات بين إسبانيا والمغرب.
وأضافت نائبة الرّئيس الثاني بمجلس مليلية أن الذي يجعل هؤلاء الأطفال يعرضون عن اللجوء إلى مركز إيواء القاصرين، وأن يغامروا بحياتهم سعيا منهم إلى التسلل إلى المركب بغية الوصول إلى إسبانيا، لأنّهم يدركون أنّه حين يبلغون سنّ الثامنة عشر سيطردون إلى المغرب وستسحب منهم بطاقة الإقامة، وهذا عمل غير قانوني كما وصفه المدافع عن الشعب.
أوضاع ومعاملة لا إنسانية لآلاف القاصرين من المهاجرين بمراكز الإيواء بإسبانيا
لقد أصبحت ظاهرة هجرة الأطفال القاصرين من أكبر المشاكل التي تواجهها إسبانيا وتلقي باللائمة على المغرب، وهي مشاكل تأزم من وضعية المهاجرين المغاربة غير الشرعيين حيث يجرم القانون تشغيلهم واستخدامهم واستغلالهم بالدول الأوروبية، وهو الأمر الذي جعل إسبانيا تجمعهم بمراكز مختلفة، أهمها مركز الاستقبال بمدينة مليلية المحتلة التي تعد أحد المعابر الأساسية والقصيرة والضرورية إلى الضفة الأخرى.
“وفي هذا الإطار، تم التركيز منذ سنة 2005 وبقوة كبيرة على الهجرة السرية التي مرشحوها هم من الأفارقة المنحدرين من بلدان جنوب الصحراء وبدرجة أقل على المرشحين من أصل أسيوي، الذين يجدون أن المغرب أهم و أقصر معبر لبلوغ أوروبا سواء عبر مليلية أو عبر سبتة، في إهمال تام لنوع ثالث من الهجرة السرية و التي أبطالها هم من الأطفال القاصرين المنحدرين من جنسيات مختلفة وعلى رأسهم المغاربة و الجزائريين.” حسب تقرير حول وضعية الأطفال القاصرين غير المرافقين في مليلية أنجزته جمعية الريف لحقوق الإنسان ونشرته خلال شهر يونيو 2007.
“قامت الجمعية بالبحث والتقصي حول الوضع المزري الذي يعيشه هؤلاء الأطفال المحرومون بمراكز الإيواء المخصصة لهم في مليلية على سبيل المثال، وحاولت جرد الخروقات التي تمارس في حق هؤلاء الأبرياء من لدن السلطات الإسبانية بالمدينة أو من طرف المكلفين بالمركز” يقول شكيب الخياري رئيس جمعية الريف لحقوق الإنسان في تصريح للأحداث المغربية، ثم يضيف “ولكن كذلك لمعرفة الأسباب الحقيقة وراء تولد هذه الهجرة للبحث في إمكانيات وأساليب الحد منها.”
أسباب تسلل الأطفال القاصرين غير المرافقين إلى مليلية
يرى تقرير الجمعية أن أسبابا عديدة تدفع بمجموعة كبيرة من القاصرين المغاربة إلى الهجرة بطريقة غير قانونية نحو الضفة الأوروبية، في محاولة منهم الفرار من مختلف الضغوطات المادية والمعنوية الممارسة عليهم من طرف محيطهم المباشر، والتي لا يجدون لها حلا آخر لتجاوزها سوى الهجرة إلى أوروبا بأي وسيلة من الوسائل.
وقد مكنت مجموعة من التقارير الميدانية لكل من جمعية الدفاع عن حقوق الطفل بمليلية وجمعية الريف لحقوق الإنسان والتي تعنى بهذا الموضوع، من محاولة جردها اعتمادا على حالات واقعية منها البحث عن عمل لمساعدة الأسرة و الهروب من الفقر، وسوء المعاملة التي يتعرض لها القاصر في وسطه الأسري، ووجود أسر معوزة تدفع عددا من أبنائها القاصرين إلى التسلل إلى مليلية (حالات أمهات مطلقات تدفعن أبنائها إلى ذلك بتحريض من أزواجهن الجدد لتخلص من ثقل المسؤولية)، وسوء المعاملة التي يتعرض لها المشردون القاصرون في مدينة الناظور أو بني أنصار من طرف عناصر الأمن المغربي، الأمر الذي يفرض عليهم الهروب إلى مليلية، والتأثر بمظاهر الشباب المهاجرين عند قدومهم خلال فصل الصيف إلى المغرب، والحقوق الاجتماعية والصحية في الدول الأوروبية، وغياب فضاءات الترفيه و التثقيف بإقليم الناظور.
إن غالبية هؤلاء القاصرين المغاربة منحدرون من المناطق غير الشمالية للمملكة، وهم في غالبيتهم من أسر تعمل بالتهريب المعيشي عبر بوابة مليلية ببني أنصار، والذين يكونون في أغلب الأحيان ضحايا للهجرة السرية تحت تأثير أحد الوالدين، أما الأطفال المنحدرون من إقليم الناظور أو باقي مناطق الشمال فعددهم ضئيل للغاية لدرجة أنه لا يكاد يذكر.
وضعية الأطفال القاصرين غير المرافقين بمدينة مليلية
تقرير جمعية الريف سجل أن الكثير من الأطفال القاصرين غير المرافقين الذين ينجحون في التسلل إلى مدينة مليلية يتعرضون لمجموعة من السلوكات ويكونون محط إجراءات لا إنسانية جزء منها منبني بشكل أساسي وممنهج على التحايل على القانون المنظم لإقامتهم بالمدينة.
فالقانون الإسباني المنظم لإقامة الأجانب في إسبانيا ينص على أن الشرطة الوطنية الإسبانية في حال عرض عليها قاصر غير مقيم وغير مرافق تقوم بالتحري حوله، من خلال البحث عن أسرته أو أحد أولياء أمره بالمغرب، حيث يسلم لها عبر التنسيق بينها وبين السلطات المغربية المعنية وذلك إذا ثبت أنه لا يتعرض لمعاملة سيئة داخل أسرته، وإذا تبين العكس فإنه يبقى في مليلية تحت رعاية الحكومة المحلية في مركز الإيواء إلى أن يبلغ سن 18.
وقبل أن تتجاوز مدة البحث عن أسرة القاصر 9 أشهر تمنح له وثيقة الإقامة، وبواسطتها يتم تسجيل الأطفال البالغين أقل من 16 سنة بإحدى المدارس والبالغين أكثر من 16 سنة بإحدى مراكز التكوين المهني.
كما ينص القانون المدني الإسباني أنه بالنسبة للأطفال البالغين أقل من 16 سنة، فإن تواجدهم بمركز الإيواء ولمدة سنتين متتاليتين يمنح لهم الحق في تقديم طلب الجنسية بشكل شفوي للحكومة المحلية التي تقوم على إثر ذلك بالإجراءات اللازمة لأجل تحقيق ذلك، وهو ما يسري حتى على الأطفال القاصرين الذي يتواجدون بذلك المركز وبشكل مستمر ابتداء من بلوغهم سن 16 وإلى غاية بلوغهم سن 18.
لكن الحكومة المحلية لمدينة مليلية، حسب جمعية الريف لحقوق الإنسان، وفي جل الأحيان تقوم بخرق هذا القانون وبشكل ممنهج، اعتمادا على الأساليب التحايلية المتمثلة في عدم منح السلطات المحلية أية وثيقة للقاصر بعد مرور 9 أشهر على تواجده بمركز الإيواء، ثم منح القاصرين بالمركز وثيقة غير رسمية تفيد تواجدهم بالمركز و ذلك لأجل قبول ولوجهم للمدرسة أو للتكوين المهني، وهي وثيقة غير مقبولة لدى الشرطة، ووضع هؤلاء القاصرين بالمدرسة في المساء وفي قاعة خاصة بهم، في حين أن باقي أطفال المدينة يأتون للدراسة صباحا، حيث تهدف الإدارة من وراء ذلك إلى عزلهم، ولا توفر إدارة المدرسة أو التكوين المهني أية شهادة لهؤلاء القاصرين رغم إتمامهم لسنوات الدراسة، لكي لا يتوفروا على أية حجة إدارية تثبت تواجدهم بمليلية لمدة تسمح لهم بالحصول على الجنسية. إضافة إلى كل هذا وفي أغلب الأحيان لا تقوم الحكومة المحلية بتوعية هؤلاء الأطفال القاصرين بحقوقهم، خاصة حقهم في طلب الجنسية وفق ما هو منصوص عليه في القانون، وإذا ما قاموا بطلبها فإنها لا تقوم بالإجراءات المفروضة عليها.
وكثيرا ما تعمد السلطات الإسبانية إلى التخلص من القاصرين المغاربة بطردهم من المدينة عبر بوابة بني أنصار بغير مراعاة لظروفهم أيا كان نوعها أو درجتها، وذلك من خلال الخرق السافر للقانون المحلي أو الوطني أو الإنساني، حيث سجلت الجمعيتان سالفتا الذكر في حالات كثيرة، أن عمليات الطرد التعسفي تمثلت في حالات معينة يقوم مربي المركز بنقل القاصرين إلى مركز الشرطة بحجة تماديهم في إعمال الشغب أو ما شابه ذلك، أو يتم اعتقالهم من طرف الشرطة في مركز الإيواء أو في مكان الدراسة أو في الطريق إلى يؤدي إلى المركز دون أن يوفر لهم الحق في الدفاع / المحامي، كما لا يمنح لهم الحق في التعبير عن رأيهم أثناء التحقيق معهم، ويتم إخبارهم بكونهم سيطردون إلى خارج مليلية سواء لكونهم يبلغون سن 16 سنة أو أكثر، قبل أن يتم نقلهم إلى النقطة الحدودية بني أنصار و يتركون هناك أمام أنظار عناصر من الأمن المغربي، من دون أن تخبر بذلك السلطات المغربية أو يتم تبادل المعلومات بشأن ذلك، ولا يتم إخبار ذويهم في حال وجودهم، وفي أحيان يدفع عناصر من الأمن الإسباني مبلغا ماليا لعناصر من الأمن المغربي بالحدود لأجل تحقيق ذلك.
وبعد تحويلهم إلى النقطة الحدودية، يتعرض هؤلاء القاصرين حسب تقرير جمعية الريف لمعاملات قاسية من طرف الأمن المغربي في الحدود، خاصة بعض من المطرودين كانوا قد تعدوا تسعة أشهر من الإقامة في مركز الإيواء بمليلية، حيث يقوم الأمن المغربي بطردهم بدوره إلى خارج النقطة الحدودية، ليصبحوا متسكعين جدد بعدما كانوا في وضع أفضل بمليلية.
هذا الطرد التعسفي لهؤلاء القاصرين يدفع بالكثير منهم وبرفاقهم الذين أطلعوا على تجاربهم مع مركز الإيواء بمليلية، إلى الهجرة بطرق أخرى إلى إسبانيا عبر البحر معتمدين على وسائل متعددة، حيث أنهم و بعد نجاحهم لا يلتجؤون إلى مراكز الإيواء هناك لأنها حسب ما ترسخ في ذهنيتهم أنها مراكز انتظار لغاية الطرد إلى التراب المغربي، مما يدفعهم إلى التسكع والتشرد في شوارع وضواحي إسبانيا، ليصبحوا بذلك عرضة لعدد من الآفات الاجتماعية و على رأسها التعاطي للمخدرات والدعارة.
كل هذا يتم في غياب تام لأي تدخل مهما كان للمجتمع المدني المغربي بمنظماته الحقوقية خاصة المتخصصة منها في موضوع حقوق الطفل، على عكس المنظمات المليلية وعلى رأسها جمعية الدفاع عن حقوق الطفل، والتي تمكنت عبر مسار طويل من الصراع مع السلطات الإسبانية وقوى الضغط المحلية و الوطنية من انتزاع عدد مهم من الحقوق.
أما بالنسبة لإقليم الناظور، والذي يعد أهم مصدر لهذه الهجرة فإن منظمات المجتمع المدني به لا تهتم أصلا بموضوع الهجرة بسائر أنواعها، مما يجعل مهمة تحديدها و معالجتها من الصعوبة بما كان، خاصة وأن جل الجمعيات المحلية تفتقد للتكوين في هذا الباب وفي مجال حقوق الإنسان إجمالا، إلى جانب ضعف الإمكانيات المادية التي تحرم جلها من التوفر على مقرات للاشتغال، كما أن غياب التواصل بشكل كلي بين الهيئات الحقوقية بمدينة مليلية و نظيراتها بإقليم الناظور أو المغرب عموما تعد أحد المعيقات الأساسية.
بعض بنود اتفاقية التعاون بين المغرب وإسبانيا في مجال الحد من الهجرة السرية للقاصرين
وقع المغرب وإسبانيا يوم 6 مارس 2007 بالرباط اتفاقية للتعاون في مجال محاربة الهجرة السرية للقاصرين “اتفاق بين المملكة المغربية والمملكة الإسبانية حول التعاون في مجال الحد من الهجرة غير الشرعية للقاصرين غير المصحوبين، وكذا حمايتهم وعودتهم المتفق عليها”. وقد أتت هذه الاتفاقية تتويجا لسلسلة من الاتفاقات ابتدأت ب”مذكرة التفاهم حول العودة المدعومة للقاصرين غير المصحوبين، ” الموقعة يوم 23 دجنبر 2003 بمدريد، وتأكيدا للتعاون المغربي الإسباني في مجال محاربة الهجرة السرية.
ويضطلع المغرب فيها بدور هام باعتباره طرفا معنيا بتنفيذ بنودها، وذلك عكس مذكرة التفاهم التي كان دوره فيها محدودا رغم أن القاصرين الذين يتعرضون للترحيل مواطنوه.
وجاء في ديباجة نص الاتفاقية أن الطرفان يعتبران أن معالجة وضعية القاصرين غير المصحوبين يجب أن تتم في إطار الاحترام التام لتشريعاتهما الوطنية، ولمعايير ومبادئ القانون الدولي، ولا سيما اتفاقية حقوق الطفل. يؤكد الطرفان أن المصلحة الفضلى للطفل يجب أن تشكل أساس كل تعاون بينهما.
ومن أهداف عامة وضع إطار عمل مشترك بخصوص الحد من هجرة القاصرين غير المصحوبين، وحمايتهم وعودتهم، وتبادل المعلومات والمعطيات بقصد الملامسة الفعالة لموضوع الحد من هجرة القاصرين غير المصحوبين، وحمايتهم وعودتهم.
كما أن من أهدافها الخاصة اعتماد إجراءات للحد من الظاهرة بهدف التنمية الاجتماعية والاقتصادية للجهات التي ينحدر منها القاصرون غير المصحوبين، وكذا محاربة شبكات تهريب الأشخاص، واعتماد إجراءات لمساعدة وحماية القاصرين المغاربة غير المصحوبين الذين يتواجدون فوق التراب الإسباني، وتشجيع عودة القاصر إلى عائلته أو إلى المؤسسة الوصية في بلده الأصلي، وكذا إعادة إدماجه في المجتمع.