حسن الحماوي
يتحدث زاكي كورمان نائب رئيس المرصد الفرنسي المغربي للهجرة بفرنسا في هذا الحوار باعتباره من قدماء المهاجرين المغاربة للديار الأوربية عن تجربة جديدة في فرنسا، تتمثل في خلق المرصد الفرنسي المغربي للهجرة والذي جاء ليوحد طرق العمل بين النسيج الجمعوي في بلاد المهجر، وذلك من خلال قيامه إلى جانب القطاعات الحكومية بالسهر على متابعة أوضاع الجالية الاقتصادية والاجتماعية ومساعدتها على حل مختلف المشاكل المطروحة، كما يستعرض في حديثه أهم التدابير والبرامج التي يشتغل عليها المرصد داعيا المسؤولين على هذا القطاع إلى إعادة النظر في كيفية تدبير ملفات المهاجرين بمزيد من المسؤولية والشجاعة.
وزكي كورمان عضو سابق في العلاقات الخارجية لبلدية “دانكير” في فرنسا عام 1988، عين مديرا للغرفة التجارية بجنوب فرنسا، وهو مكلف بالاستثمارات في المغرب العربي، ومقاول ورجل أعمال وله مكتب الاستشارة القانونية ومصاحبة المستثمرين في المغرب، ومدير الوكالة الأورومتوسطية للاستثمارات في المغرب، ونائب رئيس المرصد، ورئيس لجنة الاقتصاد والاستثمارات والناطق الرسمي له.
ماذا يعني المرصد الفرنسي المغربي للهجرة؟
المرصد الفرنسي المغربي للهجرة، أنشأ في ماي 2012 بغرض تأطير الجمعيات والشبكات للمغاربة المقيمين في أوربا وأحدثنا المقر الاجتماعي في باريس، ثم انطلقنا في خلق فروع بكل من ألمانيا، وبلجيكا، وإيطاليا، وهي ليست فروعا بمعنى الكلمة مادام نجد أمامنا قوانين محلية نؤسس عبرها جمعيات تابعة إلى المرصد.
كفاءات مغربية في كندا وأميركا وألمانيا وشبكة للمنعشين الاقتصاديين المغاربة في فرنسا، منهم منتخبون في الجماعات المحلية أو الغرف التجارية وأطر عليا في شركات كبرى، أحدثنا هذه الشبكة لنأخذ على عاتقنا بعضا من مهام الوزارة المكلفة بشؤون الهجرة لأن ليس بمقدورها فعل كل شيء، خصوصا ونحن نصل إلى بعض المناطق قد لا تصل هي إليها بحكم القرب والمعرفة بخبايا الأمور في دول المهجر، وقد سبق لي أن نبهت الوزير المكلفة بالجالية إلى ضرورة إجراء بحت شامل والعمل على إنشاء دفاتر تحملات تجعل في كل محافظة جمعية لها تمثيلية في أوربا لرصد جميع الإكراهات ومشاكل الجالية.
كيف جاءت فكرة إنشاء المرصد الفرنسي المغربي للهجرة؟
بدأنا في الثمانينيات نحن شباب المغرب المهاجر في إطار جمعيات محو الأمية والإسكان ولجان العمال، حيث قدمنا مساعدات للطلاب في توفير الأكل وإيجاد السكن، وتطور الأمر شيئا فشيئا حيث حصلنا على تكوين أكاديمي عالي المستوى وأصبحنا أطرا، وعينت شخصيا مديرا لغرفة تجارية بجنوب باريس، وأسسنا خلية للتعاون لها إيمان قوي بأهمية المساهمة في تأطير ومواكبة الجالية المغربية بالخارج، حيث ساهمنا في إنشاء مدارس في مختلف الضواحي لدعم الطفل ومواكباته بالتعاون مع هيآت فرنسية، أخذت على عاتقها دعم جهودنا.
ما هي أنواع الخدمات المقدمة من طرف المرصد؟
أول اختصاص له، وأنا بصفتي رئيس لجنة الاستثمارات والشؤون الاقتصادية والعلاقات العامة، ننكب على ملفات الاستثمارات لتقديم المساعدة القانونية وكافة الإرشادات المتعلقة بفتح مقاولة أو تأسيس شركة، ونواكبها حتى يبدأ المشروع بالإضافة إلى جانب التعليم والتعاون الثقافي والترفيهي فيما يخص العطل والاصطياف.
أريد أن أوجه إشارة إلى الحكومة هي أنه وجدنا أن هناك وزيرا جديدا عنده إرادة قوية للعمل بحكم التمرس، وله آذان صاغية، وأعطيناه عربون ما معنى الشراكة الفعالة، إذ أنه بين 22 و27 يونيو المقبل، سيعرف المغرب حلول بعثة مكونة من 10 أشخاص 2 منسقين للشبكة و8 نواب العمداء، أي منتخبين من مختلف الدوائر الفرنسية… مثلا رئيس لجنة العلاقات الدولية، ولجنة التدريس، والشؤون الاجتماعية. وكانت دراسات أولية أجريناها للقاء أعضاء من الحكومة في زيارة ذات بعد سياسي، وأخرى كذلك للأقاليم الصحراوية، فهؤلاء منتخبون ولهم الكلمة في فرنسا في إشارة إلى التصريح بدعم الحكم الذاتي الذي جاء به جلالة الملك، وهذه أول خطوة وإشارة إلى حكومة بنكيران، ونقول للجميع إننا نتوفر على اكتفاء ذاتي لمساعدة مغاربة العالم، وما على المسؤولين الحكوميين إلا وضع الإطار القانوني والتشريعي لما تبرمج له.
نحن نحتاج إلى الوزارة في المغرب أكثر منه في الخارج، لأن مرافقة المهاجر في البلاد هامشية جدا، وقد طرحت سؤالا على أحد الوزراء ما هي السلطة المخولة لكم وأنتم وزيرا على القطاع؟ فأجابني بكل بساطة، ليست لدينا سلطة لماذا نضع أطرا ولا نمكنهم من السلطة الكافية والقوة القانونية لحل الملفات الشائكة.
اجتمعت مع العديد من العمال الذين وجهوا رسائل إلى عدد من المسؤولين الحكوميين لتدارس مشاكلهم، لكن من دون جدوى، والقانون يلزم الإدارة بالأمر لتنفيذ القانون.
أعطيك مثالا، حضرت واقعة مهاجر مغربي يملك بقعة أرضية ووجد شخصا آخر ترامى عليها وشرع في البناء، وخلال تعرّضه على ذلك لدى رجال السلطة بعين المكان، لم يعره أيهم اهتماما، وقال إنه اكتفى بإنجاز تقرير وإحالته على المصالح المعنية، في حين كان من الأولى الجزم في الأمر.
صراحة وبكل بساطة بعيدا عن المرصد والجمعيات، وأنا بصفتي مدير الوكالة الأرومتوسطية للاستثمارات والعلاقات الاقتصادية، ومقاول في الصناعة وشاهد عيان على مسار الحكومات المتعاقبة منذ الثمانينيات، أقر أن هناك إرادة حقيقة ولا توجد شجاعة كافية لتفعيل القانون.
كنت أتكلم مع أحد السياسيين الكبار في المغرب عن السلطة المخولة للوزير الذي يقبل المنصب الوزاري فقال لي، يجب على المسؤول أن يخلق من قوته سلطة، حسب ما يخوله له القانون، ونحن عندنا مرجعية في الخطاب الملكي مفادها “أن الجالية مصدر لـ 5 مليارات من الأورو للمغرب كمداخيل وعائدات وهي مهمشة، ولهذا يجب الاعتناء بها”، لكن هناك من اسميهم بلصوص الوعود والذين قضوا سنوات في تمييع الكلام ورفع الشعارات الشعبوية والتحلي بسوء التسيير وعدم المصداقية في العمل السياسي، وهذا حرام وغير مقبول، فالإنسان يتطور عندما يعلن عجزه عن حل الملفات من دون نفاق.
أطالب بأمرين أولهما، تعيين مندوبين شرفيين وهم أناس ليسوا موظفين أو مستخدمين مثل رجل أعمال أو مهندس في إسبانيا أو في فرنسا، يقيم اجتماعات ويدبر ملفات…نمكنه من كافة الوسائل للقيام بعمله في إطار المسؤولية، الوزير مثلا عندما يسافر في مهمة تخصص له ميزانية كبيرة من المال العام، قد تبلغ الملايين في حين أنه يمكن تخصيص جزء بسيط منها لتنظيم العديد من الندوات لطرح قضايا المهاجرين والإلمام بها. ثانيا، أطالب بإحداث منصب قنصل متنقل في كل قارات العالم الخمس لماذا؟ لأن أصعب الفئات من المغاربة هم المهاجرون لأنهم مروا من العديد من التجارب والمحن، والمهاجر هو مغربي الهوية ولكنه لا يجد في بلاده ما يترجم له عمقها وفلسفتها، ومسالة أخرى هي أن الكثير من المغاربة ليس لديهم إلمام بالقوانين المغربية، والمغرب تطور على عدة مستويات، فمثال على ذلك أن يأتي مهاجر ويطلب من السلطات بناء 5 طوابق لجهله بالتشريع المغربي، وهذا دور التوعية التي يقوم بها المجتمع المدني، نحن الآن نعيش مغرب حداثة، وبلد المؤسسات.
نريد رقما أخضر من شهر يونيو إلى شتنبر للنداء والتشاور، ومندوبيات جهوية في العمالات، أو إحداث الشباك الوحيد، لأن هناك معطلين ومؤطرين متطوعين نمنحهم هذه المهام. نحن تكتل بشري مهم 5 مليون مهاجر يجب أن نجتمع مع العامل ويطلع على الملف، ويصدر قرارا في الحين ويعطي الأمر لينفذ حينها دون التماطل، وفي الوقت نفسه نوعي الجالية بالهيكلة الإدارية في المغرب، لدينا أشكال فقط في تطبيق القانون في المغرب مفتوح وفيه العديد من الثغرات التي يستغلها من يريدون تحقيق أهداف ومصالح خاصة بهم، وأحلم بالمحامي وهو يرافع ويقول إن موكلي بريء بالحجج وأطالب منكم كقضاء أن تطبقوا القانون بدل قوله ولكم واسع النظر.
لدي ملفات لعمال مهاجرين، نهبت حقوقهم من طرف إدارات وشركات وبنوك وبقوا ضحية الإهمال والتهميش حتى اضطرهم الأمر إلى العودة إلى الخارج، ولكن نحن المغاربة متميزون لأننا ن نتعب ونشقى ونتعرض لنكسات وتنهب أموالنا ونرجع إلى المغرب بكل ما بحوزتنا للمساهمة في تنمية البلاد مرة أخرى، وليس هناك من ينكر هويته المغربية عكس البلدان الأخرى التي تؤمن بأن البلد الأصلي هو الذي يضمن القوت اليومي للعامل حسب قولهم.
قبل المصالحة، يجب أن تكون المصارحة والشفافية من طرف المسؤولين في تدبير ملفات المهاجرين، فهل تعلم أن ملفا عقاريا يتطلب منك المرور عبر 14 موظفا وإدارة من دون جدوى؟. ما هي أهم المشاكل المطروحة بإلحاح بالنسبة إلى المهاجرين في بلاد المهجر؟
مسألة لابد من التطرق إليها هي تضليل الشباب المسلم واستقطابه من طرف تيارات مختلفة، كما أن البطالة وما ينتج عنها من إشكاليات وهدر مدرسي ثم الصلة التي انقطعت مع الأصول المغربية للشباب، وأصبح يبحث عن الهوية الإسلامية، فلا يجد ملجأ إلا المسجد ليصلي ويشكوا آلامه وأحزانه، لكن سرعان ما يقع ضحية التضليل والتطرف واستقطاب من طرف دعاة التطرف.
ومن هنا، أقول إن الأشخاص الذين يعملون في إطار نشر الأفكار المتطرفة، يتوفرون على منهجية وبيداغوجية ووسائل مهمة ومدعمة، وهنا يطرح التساؤل حول ماهية الوسائل والاستراتيجيات التي أعدتها الحكومة المغربية لمواجهة هذه التيارات الخطيرة ولحماية الشباب، هناك منهجية القرب ذات فعالية، كأن يتجول شاب متمكن في المدينة، ويتصل بجميع شباب المغرب وينصحهم ويرشدهم ويوضح لهم أن الدين دين يسر وتسامح….
نريد عقد اجتماع مع وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية قصد تدارس هذه النقطة بالذات وإيصال صوتنا إليه، جل المؤطرين الدينيين الذين تبعثهم الوزارة يعملون في المساجد، وهذا ليس في اعتقادي كاف، لأنه بالنسبة إلى الفرنسيين المسيحيين دعاتهم يعملون في أماكن خارج مرافق العبادة، في التجمعات كالأسواق حيث يتواصلون عن قرب، على خلاف المغاربة الذين إن وجدناهم في الأسواق نجدهم يتسولون لبناء المساجد فقط، والداعي المسيحي يعرض خدماته وأفكاره، ويسأل عن أحوال الناس واحتياجاتهم، ويقترح تقديم المساعدة ويد العون حتى يكسب عطف وود الشباب، وأنا شخصيا تواصلت مع بعض الأئمة حول التواصل خارج المسجد في إطاره الكلاسيكي، فقالوا هبة المسجد وقداسته، أين نتركها؟ المغاربة في المهجر يحتاجون إلى تأطير مهم ولمن يشد بأيديهم، نحن بحاجة إلى جمعيات مدنية فاعلة في هذا الباب، وهنا أطالب بإحداث البعثة المغربية متخصصة مثلا للتعليم، وبإمكاننا أن نحصل على الدعم بشأنها من فرنسا والسوق الأوربية المشتركة ومنظمات دولية مثل دعم “باربارا بوش الوطنية” تقتضي إشراك الجميع، كل من لديه أفكارا واقترحات يجب أن يشارك بها.
بالنسبة إلى القضاء نسجل إشكالية ورجعية في فهم ما معنى الاتفاقيات الثنائية، فالمرأة تطلب النفقة عند إجراء الطلاق والمحكمة المغربية هي التي تقررها، وهذا خطأ النفقة يجب أن تقرر في بلد إقامة الزوجين (المهجر) لسبب بسيط هو أن الأحوال الاجتماعية والاقتصادية لبلد المهجر تختلف عن المغرب.
لدينا كذلك، مشاكل حقيقة وعويصة في العقار، أحد المستثمرين جاء إلى شمال المملكة لينشئ مدرسة لكرة القدم، اشترى أرضا بمساحة 32 هكتارا وبدأ إجراءات التحفيظ العقاري، غير أنه فوجئ بالجماعة المحلية تقيم فيها مطرحا للنفايات.
المغرب محبوب ومن يتوفر على الحنكة والتجربة العلمية عليه أن يساهم بما لديه في تنمية بلاده.
هل لديكم تمثيلية كمهاجرين مغاربة في البرلمان الفرنسي وهل تم تفعيلها؟
لم يتم تفعيلها، بل فتح باب آخر وهو التمثلية في إطار الجماعات المحلية، لدينا هدف واحد نعمل من أجله هو العودة إلى بلادنا، أتمنى أن تكون تمثيلية للمهاجرين في برلمان المغرب، سمعت أحد الأيام من مسؤولين برلمانيين ما يندى له الجبين، حيث يسخر من تمثيليتنا في البرلمان، ويقول إن على المهاجرين ان يدخلوا إلى المغرب إذا أرادوا ترشيح أنفسهم، لماذا؟ هناك الغرفة الثانية لماذا لا ثمثل فيها الجالية؟
هناك اقتراح آخر، تعيين ملاحظين أو مستشارين لحضور الجلسات وإعطاء الحق في الكلمة وإبداء الرأي في جميع القضايا المرتبطة بالمهاجرين في الخارج. ماهي أهم التدابير والبرامج التي تشتغلون عليها الآن ؟
الوفد الأوربي الذي سيأتي للمغرب، وأتمنى أن يجد قبولا من لدن المسؤولين وأن يبادروا إلى الأخذ باقترحاتهم وتصوراتهم.
وهناك شيئا آخر، هو التفكير في إنشاء صندوق دعم المشاريع من طرف المهاجرين المستثمرين والبنوك المغربية والأوربية لدعم المشاريع الصغرى والمتوسطة.
ما هو تقييمكم لسنتين من العمل للمرصد الفرنسي المغربي للهجرة؟
لا شيء سوى خلق وتقوية العلاقات بين المهاجرين المستثمرين المغاربة.
يتضح من خلال كلامكم، أنكم نجحتم في توحيد النسيج الجمعوي وخلق شبكة مترابطة فيما بين أعضائها؟
نعم، هذه النقطة تحسب فعلا لنا لأننا أنشأنا شبكة اتصال مهمة وفعالة، وتصل بعض المساعدات الإنسانية والمالية للدواوير، وننتظر انعقاد مؤتمر في القريب لإعطاء النتائج بتفصيل.
إلى أي حد استطاع النسيج الجمعوي في الخارج حل مشاكل المهاجرين؟
قبل ان أن تكون الوزارة المعنية كانتت هناك جمعيات المجتمع المدني منذ القدم، ودور المسؤولين الآن هو إعادة الهيكلة، وإعداد دفتر تحملات واضح المرامي والأهداف.