لم تتردد وسائل الإعلام الإسبانية عندما قرر المغرب عدم عبور جاليته بالخارج في الصيف الحالي من الموانئ الإسبانية نحو المملكة، في تقدير الخسائر بحوالي 1.15 مليار يورو، منها 500 مليون يورو تخص العبور على متن البواخر.
لقد ذهبت التقديرات إلى أن المغاربة يصرفون ذلك المبلغ عند عبورهم من البلدان الأوروبية حيث يقيمون أثناء توجههم نحو المملكة في الفنادق والمطاعم ومحطات الاستراحة ويقتنون تذاكر البواخر عبر إسبانيا التي تعتبر المتضرر الأكبر من عدم شمول الموانئ الإسبانية بعملية العبور في الصيف الحالي، خاصة بين ميناء الجزيرة الخضراء وطنجة المتوسط.
كان ذلك في سياق الأزمة السياسية التي نجمت عن استقبال إسبانيا لزعيم بوليساريو الانفصالية إبراهيم غالي، وهو الاستقبال الذي أغضب المغرب، وإن كان الطرفان لم يدخلا رسميا في حرب اقتصادية، رغم دعوة بعض منتجي الخضار والفواكه الإسبان لمقاطعة الصادرات المغربية.
وفي عز الأزمة السياسية بسبب استقبال إسبانيا لغالي، كان المراقبون يحاولون التقاط تداعيات ذلك على العلاقات الاقتصادية بين البلدين، حيث تعتبر إسبانيا أول زبون وأول مورد للمملكة، متقدمة على فرنسا، بل إن الميزان التجاري يميل لفائدة البلد الإسباني، الذي تنشط حوالي 1500 من شركاته بالبلد الشمال أفريقي.
ويعتبر المغرب من أولويات الخطة التي صاغتها إسبانيا من أجل تعزيز تدويل شركاتها، خاصة في القارة السمراء، هذا ما دفع الشركة الإسبانية لتمويل التنمية إلى فتح مكتب لها بالدار البيضاء من أجل استعمالها كمنصة لتسيير عملياتها في أفريقيا جنوب الصحراء.
ولم يغفل مراقبون إسبان في ظل الأزمة طرح فرضية لجوء المغرب إلى تقليص حضور إسبانيا في المشاريع الكبرى ذات الصلة بالبنيات التحتية والسياحة، بل إن إسبانيا ستراقب عن كثب التوجه الذي عبر عنه المغرب بخفض وارداته من الخارج، حيث يتطلع إلى استبدال مشتريات من الخارج بقيمة 8.5 مليارات دولار بمنتجات توفرها المصانع المحلية.
وترى إسبانيا في التدابير التي اتخذها المغرب أخيرا نوعا من الحصار الاقتصادي، إلى درجة دفعت رئيس مليلية المحتلة إدواردو دو كاسترو، إلى التعبير عن غضبه من التدابير التي اتخذتها المملكة المتمثلة في إغلاق معبري سبتة ومليلية، حيث صرح لوكالة الأنباء الإسبانية “إيفي”، قائلا: “خارطة طريق المغرب واضحة، إنه يريد أن يكبر، وفي خضم هذا النمو نغرق نحن. من الجيد بناء موانئ بشمال البلد وكذلك بنيات تحتية، غير أن ذلك لا يجب أن يتم على حسابنا”.
وكان رئيس مدينة سبتة المحتلة منذ أكثر من عقدين، خوان فيفاس، قد عبر عن الرغبة في الحفاظ على علاقات حسن الجوار مع المغرب، دون الارتهان له في المسائل الاستراتيجية، خاصة المستقبل الاقتصادي، معبرا عن أسفه للجوء المملكة إلى “وقف التجارة الحدودية بشكل أحادي”. غير أن ما يسميه فيغاس تجارة، ينظر إليه المغرب على أنه تهريب.
فقد سعى المغرب إلى وقف التهريب عبر سبتة ومليلية المحتلتين، إذ تلا وقف عبور السلع المهربة عبر معبر سبتة، وقف التهريب عبر معبر مليلية، حيث حاولت المملكة تمرير السلع من ذلك المعبر إلى ميناء بني نصار بمدينة الناظور، ما يراه رجال أعمال وتجار في المدينة المحتلة نوعا من “الموت المعلن”.
ويعتبر الإسبان أن إغلاق معبري المدينتين يعرضهما لأزمة اقتصادية خانقة، في وقت يؤكد المدير العام للجمارك والضرائب غير المباشرة بالمغرب، نبيل لخضر، أن نهاية التهريب عبر سبتة ومليلية لا رجعة عنها، حيث اعتبر أن معبري المدينتين لا يشكلان ممرا ليس للسلع فقط بل للأفراد أيضاً، حيث يراد تحويلهما كما الموانئ معبرين للمسافرين، الذين يحملون معهم سلعا للاستهلاك الشخصي فقط.
لم يكن المراقبون الإسبان على مدى السنوات الأخيرة يتوقعون أن يتمكن ميناء طنجة المتوسطي، من تجاوز الموانئ الإسبانية في النقل البري للسلع بين البحر الأبيض المتوسط والأطلسي.
تجلى في العام الماضي أن الميناء المغربي تبوأ المرتبة الأولى متقدما على ميناء الجزيرة الخضراء الإسباني. فقد أكد المكلف بمهمة لدى مجلس الشاحنين الأوروبي، جوردي إسبين، ذلك التقدم، في تصريح سابق لوكالة بلومبيرغ.
ويتجلى أن ميناء طنجة المتوسط تعامل مع 5.8 ملايين حاوية في العام الماضي، بزيادة بنسبة 20 في المائة، مقارنة بالعام الذي قبله، حيث تفوقت تلك المنصة على ميناء الجزيرة الخضراء التي بلغت حركة الشحن فيه 5.1 ملايين حاوية.