يحاول البعض أن يعودوا بالمغرب إلى سنة 1912، وإلى زمان الظهير البربري المشؤوم، وإلى أزمنة (السيادة) الفرنسية، وما أفرزته من معوقات ومثبطات في كل ما له علاقة باللسان العربي، فاستحدثت مدارس الأعيان، كما أنشئت معاهد التدريس، ببعض المدن الأطلسية باللغة الدارجة، نكاية بالشعب المغربي الذي اعتبر التمسك آنذاك باللغة العربية، سلاحا في مشروع المقاومة التي بدأت تؤرق الوجود الإستعماري بالمغرب، وبعد أن نجحت مؤسسات التغريب اللغوي في فرض هيمنتها على الواقع التربوي، الذي أريد له أن يظل تابعا للمستعمر فكرا، وثقافة، ولغة تخاطب وتفكير، على مستوى العلائق الإجتماعية التي عرفت تدجينا ممنهجا للسان المغاربة، ليقبلوا وبفعل تآمر أبناء الدار بالأمر الواقع.
لقد استطاع غلاة اللغة المستعمرة، أن يفرضوا سطوتهم بادعاءات هي أوهى من خيوط العنكبوت، مدعين قصور اللغة العربية عن تدريس المواد العلمية، وكأن هذه اللغة لم تكن يوما لغة علوم، ذلك، أن عدم معرفة البعض بإنجازات اللغة العربية تاريخيا، وإسهاماتها في القفزة العلمية لهذه اللغة، عن طريق الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية، الذي وسم اللغات الأجنبية بالعجز عن مواكبة الثورة العلمية التي فادتها الحضارة العربية الإسلامية، وأبدع علماؤها بلغة الضاد التي ميزتهم عن أقرانهم من علماء الغرب، ما أصبح اليوم يقض مضجع سدنة اللغة الأجنبية.
لنفرض جدلا أن لغتنا اليوم غير قادرة على استيعاب المناهج العلمية، وفق تصور السادرين في حب الأجنبي وإيثار ثقافته، فمن الذي أوصلها بعد سنوات كثر من الهجمات الغربية بالوكالة، من طرف من رضعوا كراهية اللغة العربية من أثداء الثقافة الفرنسية بالخصوص، وما ذنب الناشئة المغربية في أن تظل وسائل تجريبية لكل البرامج الفاشلة في فرنسا، والتي تنتج وتكرس الفشل حال تجريبها بالمغرب؟ .
هل يعقل أن يتمسك نظامنا التربوي بلغة الأجنبي؟ إذا ما اعتبرنا لغة الأجنبي في أصلها لغة خاصة، وأنها مجرد لهجات محلية عرفت التقعيد في ما بعد( فاشلة في مناهجها ومضامينها، وبالتالي، ترتفع الأصوات الفرنسية لاعتماد اللغة الإنجليزية كلغة علوم، وفي ذلك اعتراف بتجاوز الضمنية إلى التصريح بفشل اللغة الفرنسية في عقر دارها.
كل التجارب تثبت أن عجز اللغة وتدني المستوى، وكل الإتهامات التي توظف لضرب اللغة العربية، من بعض سدنة لغة “مو ليير” ومروجي فشلها وأخطاءها وانحطاطها، إلى جانب الإشكال اللغوي ل”الفصيح” في آنيته، يزيدها تعقيدا آخر إشكال آخر، يروم فصل الشعب المغربي من خلال تنمية القواطع لكل ما يربطه بالشرف العربي الإسلامي، الذي أراد التاريخ المشترك أن يجمع المغاربة في مصير مشترك، وفي لحمة مشتركة، أريد لها اليوم أن تتحول إلى تشظ، محققين أمانيهم في جعل المغرب بعيدا عن الشرق، قريبا من الغرب، بفعل تصورات تمتح من عقدة”الخواجة”، والإنتصار لكل ما هو أجنبي في حياتنا اليومية.
الضرورة الحالية، تفرض الدفاع عن اللغة العربية، ومحاورة العقول التي تسمها بالجمود، وذلك، تحقيقا لهوية المغرب العربية، الإسلامية، أما فعل المنحازين، المناصرين للغة الأجنبية، فمآلهم الفشل، لأن في رحم المغرب إرادات تعمل على تثبيت الهوية والدفاع عن مداءاتها.