- كثر هم أولائك الذين يكتبون بلاغاية ولاهدف، فأن تكتب دون انحياز لموقف، لا يجعلك لصيقا ومتماهيا مع انتظارات المواطن، وغير هذا، يعني أنك تروج للوهم، وتستنفذ طاقاتك في محاربة طواحين الهواء.
فالذين يعتقدون أنهم يكتبون محللين من مقارعة القضايا الإجتماعية والفكرية الكبرى، إنما تشغلهم “دانكشوطية” همها محاربة الفراغ، لا البحث عن دواعي الفعل الإجتماعي المغتال بكل تجليات الغصب والإعتداء، ومن يروم ذلك، عن قناعة أو عن غيرها، إنما يروم أن يجعل بينه وبين نبل الكتابة، سدا منيعا يحول دون تجذير الكتابة بين الفعل وصاحبه، مما يصنفه في خانة العجز عن الخلق والإبداع، على مستوى إنتاج فكر فاعل ومتفاعل، يترصد كينونة الإنسان وواقعه في بعدهما النكوصي المستفز.
أغلب الذين يزعمون أنهم يكتبون، هم بعيدون عن فن الكتابة، لكونهم غير قادرين على إعادة إنتاج الأفكار في صورة تحول الفكرة إلى رموز حرفية، تقتضي التجانس الدلالي في منظومة الحروف الدافعة إلى ترويض القلم لاختراق الحدود الوهمية للورق، عبر النمنمات التي من تجلياتها توارد الخطوط الناسجة للحمة المواقف في بعدها الإيجابي والسلبي.
الكتابة المتمخض عنها حالات الإستثناء، التي تسم صاحبها بالقدرة على خلق حالات الجذب التي يعيشها الفكر في حضرة السؤال، وسطوة الإستفهام، هي الجديرة بالممارسة والعشق، فالكتابة بلا موقف حالة عبثية تستحضر مساحات اجترارية ذات مخرجات بلا ظل ولا طعم، ولا مسافة فكرية، فإذا لم يكن بمقدور من يروم الكتابة “المغامرة”، وسبر أغوار أعماق العقلية الداخلة في إنتاج فكرة الكتابة، فلا هو بالكاتب قطعا، بل قصارى جهده، “تحبير البياض، وتثبيت سواد السواد”.
الكتابة فن خصائصه، تفجير اللمسات الإبداعية المتجاوزة للمألوف، والمكرور، لأنها بالمفهوم الإنطباعي، لوحة ذات خطوط وألوان، ورؤى وظلال، وكواشف المستقبل وإرهاصات الحاضر، باعتبارها كائنا يمتلك روحا متحركة، متفاعلة مع الشروط المحيطة بها، تشحن الكاتب بفطرة التربص، وجرأة المكابر/ المعاند، لا المسالم الضعيف، لتحويل المرئي والمتخيل إلى فعل احتجاجي، يميز الكاتب الحق، و يموقعه في صلب الوعي والإدراك، فتتأسس التجربة، وتتولد المواقف والمبادئ، فالكتابة بلا موقف ولا مبدإ، غثيان لفظي يسوق للإرتزاق والمتاجرة بالمبادئ، وسباحة في عتمة الأفكار الميتة، وهي نهاية مجرد تناشير ترسم الخطوات الأولى نحو فعل كتابي طفولي، يروم طمس خاصية التحدي التي تهيئ للإنتصار للحق وللكرامة وللحرية.
فليس كل من يدعي الكتابة، بقادر على أن ينفث في الحرف من روحه، لأنه لا يمتلك أسرار الكتابة، بل مبلغ جهده، أن ينتج خربشات لا تتعدى الهلوسة والبلطجة، فالقلم كالسيف، إن لم تروضه خدعك، أما أن يتحول الإنسان إلى ظاهرة كتابية، فذلك، شأن آخر، إذ لا قيمة لكاتب لا ينتصر للفكرة، ولا يعيش على مبدإ.