انبجست فكرة تحرير هذا النص من صلب إطار منهجي بوضع سؤال إشكالي كبير وعريض : كيف نعمر صحراءنا الغالية لإتمام وإكمال إدماجها واندماجها في قلب الوطن ؟
يطرح هذا السؤال أبعادا استراتيجية عديدة بدء بحمايتها العسكرية واستتباب الأمن بكامل ترابها وانتهاء بإدماجها اندماجا تاما وكليا ببسط السيادة المطلقة على كافة ربوعها وذلك مرورا بالبناء والتعمير وبناء الطرق والمصانع والمعامل والمدارس والثانويات والجامعات والتشجير وإيصال الماء والكهرباء لجلب أكبر عدد من الساكنة من كافة أرجاء الوطن لإعمارها وغرس روح المواطنة بربوعها في أحشاء كل الأجيال الصاعدة .
هاته الإشكالية ذات بعد سيادي تتطلب وضع محاور تدبيرية يتم تنفيذ محتواها في إطار استراتيجية تعكس أبعادا حضارية يتم إنجازها على المدى الطويل .
كل بناء لسيرورة الدولة وتثبيت دعاءمها القوية يتطلب التفاعل الإيجابي المستمر مع الفضاء الداخلي والتكيف السريع مع المحيط الخارجي وذلك لمسايرة التغيرات والتحركات الجيوسية المتسارعة التي تعكس الأهداف الجيوستراتيجية الكبرى للأقطاب المؤثرة في السياسة الدولية مع التخطيط على المدى المتوسط والبعيد والعمل بنضج عال والتحرك ببعد نظر براغماتي مع الحفاظ على مقومات الأمة الهويتية والحضارية المشيدة على تاريخنا المجيد .
تسهيل تسيير ملف صحراءنا ووحدتنا الترابية يندمج حكما في تدبير سياستنا الداخلية في أفق التغيرات العميقة ، التي بدأت تعرفها الساحة الدولية منذ نهاية القرن الماضي على ضوء الجدلية والتفاعل القويين في صفوف البشرية جمعاء والتي خلقتها التكنولوجيا الحديثة من أنتيرنيت ومنصات التواصل الإجتماعي بكل أنواعها وأشكالها يبلورها الذكاء الإصطناعي و 5G والنانو والطاقة المندمجة énergie-fusion بسرعة فائقة في عدد من دول العالم تحديدا بثلاث قارات : آسيا وأميركا والقارة العجوز .
في هذا المسلسل المتسارع وهذا الإطار العام من بداية العشرية الثالثة من القرن 21 ، تتاح وتوفر لنا بوطننا المغرب فرصة مواصلة تشييد وتعزيز “فضاء الدولة-الوطنية État-Nation ” وتركيز لبناتها بعمق وذلك بمواصلة الدفع لاندماج أقوى وأبعد لجذور وأصول ومختلف الحساسيات الثقافية الوطنية وكذلك الإختلافات بين كافة مكوناتنا البشرية بين شمال الوطن وجنوبه من طنجة إلى الگويرة فگرگرات ، وهذه تفاعلات طبيعية في فضاء مخاض نضج الديمقراطية التي نحن بصدد بنائها لبنة لبنة .
في هذا المناخ العام ومن أجل العمل لتحقيق هذا الهدف السامي الذي يكون درعا واقيا وحاميا لأمتنا ولوطننا في أفق التغيرات العميقة المنتظرة خلال القرن الواحد والعشرين على كل مواطن ومواطنة وكل المنظمات الوطنية من أحزاب ونقابات وجمعيات المجتمع المدني العمل على تأطير المجتمع بفكر سام وروح عالية متمحورين حول مفهوم الوطنية وحب الوطن والإستعداد للتضحية من أجله بكل غال ونفيس .
في هذا النسق العام وهذا العمق الفكري المهيكل لبناء صرح أمتنا ووطننا ساألني وسألني عدد من أصدقاءي عن :
“منظوري وتصوري لإتمام إعمار صحراءنا الغالية” ،
فبادرت بالإقتراح عليهم بمجموعة من أفكاري وملاحظاتي قصد الإسهام في بلورة “منظومة القوة الإقتراحية” للمضي قدما في تشييد هرم وطننا .
أملي أن تغني مقترحاتي هاته منظومة الأفكار والأراء العديدة المتعددة التي ترد على “صندوق الأفكار والمبادرات ” Think-Thanks التي تزخر بها ساحة عقول مثقفينا ومفكرينا ومسؤولينا الإداريين والسياسيين والإقتصاديين والعسكريين وأطر مجتمعنا المدني وكافة الأطر والقوات الحية والمواطنين الغيورين .
في هذا الإطار أود باديء ذي بدء أن يسجل ويعلم الناس أجمعين في كافة ربوع هذا الكوكب الأزرق من استراتيجيين وسياسيين واقتصاديين وعسكريين ورجال أركان الدول في القارات الخمس من أصدقاء وشركاء وخصوم وأعداء أن دولة المغرب تتواجد بقوة التاريخ والرصيد الحضاري الغني والهويتي والتكامل الإجتماعي في حدودها الإستراتيجية التاريخية والإجتماعية والسياسية وتكون وحدة صلبة متراصة مؤطرة بمثلثنا الخالد : الله ، الوطن ، الملك الذي يحميه أربعون مليون مغربي على كافة ربوع وطننا الغالي ، وهم مستعدون للإستشهاد من أجله .
تمتد هاته الدولة العريقة والمتجذرة في تاريخنا المجيد على مسافة 710.850 كلم2 وعلى شاطئين اثنين يمتدان جهة الشمال على مسافة 500 كلم للجهة الجنوبية الغربية للبحر الأبيض المتوسط الممتدة من السعيدية إلى جوهرة البوغاز طنجة ، ثم على مسافة 3000 كلم للجهة الغربية للمغرب الممتدة على شرق طول المحيط الأطلسي شمال قارة افريقيا من طنجة إلى حمامة وادي الذهب الگويرات .
الإستراتيجية : تشخيص وتخطيط
في هذا الفضاء الإستراتيجي أؤكد أن تعزيز وحدتنا الترابية يمر حتما عبر تعزيز قواتنا الدفاعية والأمنية من أجل الذود عن حدودنا ووحدتنا الترابية التي تؤسس على وضع “مخطط استراتيجي مندمج” تنطلق أهدافه المتمحورة على عدد من الإمكانيات والآليات والوساءل في أطار زمني محدد التي يبرزها “تشخيص استراتيجي” مبني على أسس تدبيرية مرتقة ومناهج علمية مدروسة مبنية أساسا على “العنصر البشري الحيوي” الذي يكون العمود الفقري لكل تنمية وتقدم وازدهار للإنسانية .
إن “الإعمار البشري” يؤسس لكل انطلاقة سيادية واجتماعية واقتصادية تشيد هرم التنمية المندمجة على المدى البعيد الذي يتدرج على عقود عديدة ليؤكد اندماجا كليا لكل مكونات الأمة وجميع مرافق الدولة وحساسياتها المؤسسة “للدولة-الوطنية” État-Nation .
يبنى هذا التخطيط الإستراتيجي الذي أقترح على ثلاثة محاور أساسية :
.1- الدرع الدفاعي لجيشنا الملكي المغوار موازاة مع تعزيز قوة كل المرافق الأمنية بكل مكوناتها حماية لوطننا داخليا وخارجيا ،
.2- تشييد البنية التحتية الأساسية والتنمية الإقتصادية المندمجة ،
.3- القطب السياسي والإجتماعي والثقافي .
تكون هاته المحاور الثلاثة الحيوية قاطرات قوية تمكن بلادنا من الإرتقاء إلى أعلى المستويات وأعلى القمم في التنمية البشرية والنمو الإقتصادي والتربية الوطنية والبحث العلمي والرقمنة والذكاء الإصطناعي .
بهاته القاطرات تفرض الأمم والشعوب هيبتها واحترامها في بداية القرن الواحد والعشرين ، وبدونها تنحو منحى السقوط إلى الحضيض والغرق في وحل التخلف العلمي والجهل والتهميش الإجتماعيين وما دون ذلك .
كل نخب الأمم والشعوب التي امتازت بوعي عال وبعد نظر ثاقب وحدس نابع من نكران الذات ونزاهة مبنية على الغيرة الوطنية ، تمكنت بصبر وأناة من الدفع بأوطانها إلى أبعد الآفاق لتعيش في بحبحة العيش الرغيد والرفاهية العالية والسعادة ، تتنفس الحرية وتسبح في الطمأنينة ، وهذا ما نراه عند عدد من الدول الأوربية كبلدان اسكندناڤيا أو الأسيوية كاليابان وكوريا الجنوبية وأندونيسيا وماليزيا على سبيل المثال لا الحصر .
لتفصيل هاته الإقتراحات العملية المبنية على أرضية فكرية ذات جذور تاريخية مجيدة وحضارية متأصلة ، أضع في ما يلي ثلاثة محاور :
– تذكير تاريخي ،
– الدفاع الرادع ،
– المحاور للتنمية المندمجة .
أولا – تذكير تاريخي
لقد استرجعنا صحراءنا الغالية منذ 46 سنة خلت وانتزعناها من مخالب الإستعمار الإسباني بمسيرة شعبية سلمية تضم 350.000 مواطنة ومواطن مغربي وبقوة القانون على أساس الرأي الإستشاري الذي أصدرتة محكمة العدل الدولية يوم الخميس 16 أكتوبر 1975 الذي تناقشت فيه هاته المحكمة بلاهاي بهولندة طيلة سنة كاملة منذ أن طلب المغرب هذا الرأي للمحكمة منتصف أكتوبر 1974 والذي قدمه الأمين العام لهيأة الأمم المتحدة في دجنبر 1974 .
وقد بثت فيه المحكمة الدولية على أساس “روابط البيعة” Liens d’allégeance المكونة لأحد أسس القانون في الدين الإسلامي الحنيف ، وقوة اجتماعية نادرة تعبر عن روح الأمن والسلم لشعبنا الأبي الذي تعبأ من أقصاه إلى أقصاه في مسيرة سلمية لم يعرف التاريخ مثيلا لها : المسيرة الخضراء المظفرة التي انطلقت يوم الخميس 06 نونبر 1975 ، والتي بها استرجعنا أرضا من أراضينا التي اغتصبها الإيبيريون الإسبان على مراحل تارة بالخداع التجاري وتارة أخرى بقوة السلاح والبطش حين مرور دولتنا بضعف نسبي خلال برهة معينة جعلها تسقط في براثين قوى الغدر والإستعمار .
تلزمنا المسيرة الخضراء المظفرة ، هاته الملحمة السلمية الفريدة والراءعة بإكمال وتتميم مسيرتنا التاريخية وذلك بتعزيز تواجدنا بتطبيق وتنزيل عدد من المحاور المتعددة الأبعاد الواردة في التقديم أعلاه والتي سبق وأن تطرقت لها بتفصيل في عدة مقالات مطولة في عدد من الصحف الوطنية على المواقع الإلكترونية .
أعود في هذا المقال من جديد لأفصل مجموعة من أفكاري على شكل اقتراحات في الميادين الحيوية الإجتماعية منها والإقتصادية على وجه الخصوص وذلك لارتباطهما ارتباطا عضويا وجدليا بباقي القطاعات المنتجة الحيوية منها والإستراتيجية ، علما بأن كل المقترحات التي أتقدم بها تحضى سلفا بطمأنينة كافية ومطلقة وبحماية عالية جدا من طرف جيشنا الملكي الباسل وكل مكونات أمتنا المغربية القحة الأصيلة .
ثانيا – الدفاع الرادع
تكون قواتنا المسلحة الملكية قوة ردع ضاربة بلا منازع ؛ لقد رتقنا حدودنا ترتيقا كاملا وتاما ومطلقا حماية لصحراءنا ودفاعا عن وحدتنا الترابية ، موازاة مع تعميق غرس الروح الوطنية في أعماق نفوس جميع المغاربة .
إنني أنحني تقديرا وتبجيلا واحتراما وإجلالا لشموخ جيشنا الباسل المرابط على تخوم حدود صحراءنا الغالية من طرفاية إلى الگويرة فگرگارات حتى الحدود الشرقية الشمالية لجارتنا موريطانيا فجدار تندوف مدينتنا المغتصبة غصبا من طرف الجزائر .
أنحني بكل تقدير لكل قواتنا المسلحة الملكية والدرك الملكي والأمن الوطني والقوات المساعدة وكل القوات المساهمة في تأمين وطننا داخليا وخارجيا بكل فئاتها ومكوناتها البرية والجوية والبحرية التي تعزز صمود وطننا باندماج مجتمعي كامل وتكامل اقتصادي مندمج .
مجموع اقتراحاتي التالية مخصصة لمناطقنا الصحراوية الساقية الحمراء ووادي الذهب في ترابط جغرافي عضوي وجدلي مسترسل زمانا ومجالا من وجدة والسعيدية إلى طنجة ونزولا حتى الگويرة فالگرگرات والسمارة وجدار تندوف وذلك رجما للإسرار الجزائري العنيد لمنازعتنا في أرضنا وتاريخنا .
ثالثا : المحاور التنموية المندمجة
إن تنمية بلادنا تنمية كاملة شاملة تتشكل عبر مجموعة من الإقتراحات التي أراها هامة وضرورية للدفع بعجلة التنمية المندمجة في إطار مجالنا الجغرافي لصحراءنا والتي تستدعي رصد وتعبئة أموال كبيرة من ميزانية الدولة ومن تخصيص جزء كبير مما تتكرم به أرضنا الصحراوية المعطاء من معادن نفيسة ومعادن يطلبها حثيثا السوق الدولي كالفوسفاط والحديد والنحاس والكوبالط والمنغنيز ناهيك عن الخيرات البحرية بكل مكوناتها …
تتكامل قوات وطننا المغرب العظيم ، عبر تمحور ارتباط أمتنا بمثلثنا الخالد الذي يبني أسسه التاريخية المجيدة والحضارية العريقة على :
-1. الدفاع والأمن الوطني ،
-2. الوحدة الوطنية المتراصة سياسيا واجتماعيا وثقافيا ،
-3. الإقتصاد المندمج ،
في الإطار الإقتصادي المكون للأرضية التنموية ، أقترح ثلاثة محاور أساسية لتأمين وجودنا :
ا- البنية التحتية الأساسية ،
ب- البنية الإقتصادية ،
ج-البنية الإجتماعية-الثقافية والسياسية ،
هاته المحاور الثلاثة مرتبطة ارتباطا عضويا وجدليا فيما بينها ، ونجاح واحد منها مشروط بإنجاز ونجاح بناء الإثنين الأخريين إذ تكون معادلة عالية الإندماج قوية البنية متراصة الأضلع .وكما نعلم جميعا فإن الأولوية والأسبقية تبقى داءما ملقاة على كاهل بناء وتطوير البنيات التحتية الأساسية من طرف القطاع العام للدولة التي تفتح المجال :
-ا. لجذب البنيات الإقتصادية المنتجة التي تتبعها ،
-ب. ولخلق الحركية الإجتماعية للموارد البشرية المكونة لأسس الوجود البشري .
تكون هاته الحركية ، القلب النابض للسيادة الوطنية ، وذلك ما قامت به الدولة منذ أن وطأت أقدام 350.000 مغربية ومغربي أرض الساقية الحمراء خلال تلك الأيام الخالدة من سنة 1975 والتي تلتها الملحمة الوطنية خلال سنة 1979 باسترجاع وادي الذهب .
في مسلسل العملية التكميلية الإندماجية بين الشمال والجنوب ، سيتدفق المغاربة الباحثون عن الشغل وتنمية مستواهم المعيشي بإعمار صحراءهم الفسيحة والمساهة في تنميتها وجعلها الباب الواسع على قارتنا السمراء وخلق نسيج اجتماعي واقتصادي صلب وقوي مع الدول الجنوبية لبلادنا بالقارة الإفريقية .
خلال مقالات عديدة سابقة ، فصلت هذا الجانب الذي أسوقه مختصرا ، فيما يلي ، من جديد :
1.3- البنيات الإجتماعية والسياسية :
تكون هاته البنية القاعدة الأساسية لإعمار صحرائنا والمحور الحيوي للتجانس الاجتماعي والتداخل القبلي والتكامل الثقافي :
البعد الإجتماعي
إن تشجيعاتنا لمواطنينا بالمساهمة بكثافة في إعمار الصحراء والحج إلى الساقية الحمراء ووادي الذهب يتطلب بالموازاة توفير شروط تشجيعية التي تستدعي الاستجابة لمتطلبات المواطنات والمواطنين الراغبين في البحث عن الشغل والتكوين المهني الموازي وتحقيق طموحاتهم المعيشية والتعليمية والصحية والثقافية والتقاعدية والضمانات الإجتماعية ، كما تتطلب من الإدارات المركزية توفير الماديات بنسب تفضيلية كما كان معمول به انطلاقا من السبعينيات وما تلاها فيما يخص الأجور والمساكن وأثمنة المواد الإستهلاكية الخاصة بمناطقنا الصحراوية وتوفير الظروف المادية والمعنوية المطمئنة للعيش الكريم على المدى الطويل .
بالموازاة ، على الدولة أن تواكب هاته التوجهات بتأطير المواطن في الجنوب كما في الشمال وفي الغرب كما في شرق البلاد ، بزرع بذور القيم الحضارية عبر البرامج البيداغوجية التربوية في المدارس والنوادي الثقافية والرياضية وعبر وساءل الإعلام والتواصل الإجتماعي في إطار تعزيز الفضاء الإنتمائي للهوية الوطنية والحضارية والتاريخية للأمة المغربية والتي تجعل من دولتنا كيانا واحدا موحدا متجسدا في الدولة-الأمة État-Nation .
بالموازاة ، المطلوب آنيا وعاجلا من إدارتنا بصنفيها في القطاعين العام والخاص وكل القائمين على تدبير الشان العام بالإندماج التام والكافي في الهرم القيمي والأخلاقي لتأطير المستثمرين وتقوية روح العمل والكد والجد والإجتهاد عند المواطنين ، والإنضباط الإداري في إطار تألية العمل بالحواسيب الذكية المرتبطة بالأنترنيت والعمل بروح النزاهة العالية خدمة للوطن ولمستقبل الأمة التي دخلت عصر الذكاء الصناعي و5G والنانو والبلوكشاين والعملات-الرقمية .
على كل مدبر للشأن العام وشريكه في القطاع الخاص ، في مسلسل دينامية بعيدة المدى ، أن يعيا ويفهما ويتفهما بأنه لا يمكن لهما أن يشتغلا في هذا التدبير دون إحضار “حركية المجتمع القوية المستمرة” أي الدينامية التي تحرك حاجياته وطموحه وبالتالي وعيه الحسي والمادي والضميري والتي تجعله ذو نضج عالي المستوى للتعبير عن رأيه ، حقوقا وواجبات ، وعن كل ما يخالجه ويطمح إلى تحقيقه على ضوء استعماله المكثف لمنصات التواصل الإجتماعي العديدة المتعددة وللتكنولوجيات الحديثة الإعلامية والتواصلية بدء بالهاتف النقال الذكي إلى الحاسوب وانتهاء باللوحة الإلكترونية .
أؤكد على هذا البعد نظرا لغياب الوعي وغياب روح تحمل المسؤولية عند بعض مدبري الشأن العام الإداري والإقتصادي والإجتماعي الذي من المفروض أن يمكنهم ، هذا الوعي ، من “تحديد هذا التوقيت الزمني الدقيق والحيوي” وأخذه بعين الإعتبار وتدبير حيثياته وأبعاده ، والذي قد يكون “خطأ استراتيجيا فادحا” إذ لم يتم إدماج هذا المعطى في التدبير الإداري يجعل الفضاء المدبر – بنصب “ب”، – ينقلب رأسا على عقب ويخلق تجليات غير متوقعة وغير مرتقبة ، تؤخر التقدم إلى مستويات أعلى وأحسن وأفضل في كافة ربوع صحرائنا الغالية .
الإسكان والشغل رافذان محوريان للتوطين
وتوفير الشغل والعيش الكريم ، وهما قطاعان توفرهما الإستثمارات المفرزة للقيمة الإقتصادية المضافة في كل القطاعات المنتجة واللذان سيجعلان اليد العاملة الوطنية وكذلك الإفريقية ، ولم لا الأوربية وغيرها من العربية إلى الأسيوية ، تتوافد بكثافة على صحرائنا الغالية .
إن الاستثمارات في الصناعات المختلفة والخدمات المتنوعة تكون رافعة قوية تجعل “الإستثمار العقاري” ينطلق بقوة وبسرعة ، ويجعل ديمغرافيتنا في كافة ربوع صحراءنا مكثفة وتزداد كثافة مع مرور الوقت ؛ وسيمكن هذا الوعاء البشري المفرز للتوطين من “خلق وضع استراتيجي جديد” يمنحنا قوة تجاه جميع الدول خصوصا الكبرى منها مهما كانت توجهاتها الاقتصادية والسياسية والإيديولوجية وكذلك تجاه القانون الدولي” .
سيجعل هذا التوافد من كل بقاع وجهات مملكتنا العظيمة عملية حج كثيفة مكثفة بحثا عن الشغل الكريم والحياة الرغيدة وهدفا للإستقرار على المدى البعيد بكافة ربوع صحرائنا الغالية .
من المطلوب أن يساير “المجتمع المدني” هاته الانطلاقة وأن ينضم إلى الفعل الاستثماري “بفعل تنظيمي جمعوي” ليؤطر المجتمع عن طريق الجمعيات في كل القطاعات الثقافية والفكرية والفنية وسواها موازاة مع تفعيل وسائل الإعلام بكل توجهاتها واختياراتها ومناهجها وتقنياتها .
بالموازاة مع الدفع بهاته الإقتراحات ، يتفاعل المجتمع مع واجب الدفاع عن الوطن بالإنخراط ، بروح مواطنة عالية ، في عملية التجنيد الإجباري
الذي سيساهم ويمكن من تعبئة اجتماعية ومجتمعية شاملة وكاملة وعالية وذلك عن طريق تمتين وتعزيز مفهوم الوحدة الوطنية الذي يمر حتما بهاته التعبئة في صفوف المواطنين ، كل المواطنين والمواطنات ، رجالا ونساء شبابا وشابات ، فيصبح هذا التجنيد واجبا وطنيا تلقائيا محبوبا محببا ، يمكن شراءح الأعمار انطلاق من 18 سنة من “تكوين لوجيستيكي وانضباطي” بدون لزومية التخصص المهني الدفاعي ، إلا من اختار أن يندمج كليا ونهائيا في صفوف القوات المسلحة الملكية .
البعد السياسي
المطلوب من أحزابنا السياسية أن تنزل بقوة وبكثافة إلى الساحة على جميع ربوع صحراءنا لتأطير وتنظيم وتوعية المواطنين بأحقية حقوقهم التاريخية والسياسية على أرضهم والتي كانت دوما أرضا مغربية وذلك باستعمال وساءل بيداغوجية عملية وبمساعدة كافة القطاعات الوزارية المنصهرة في حماية وحدتنا الترابية :
– الخرائط التاريخية ،
– الخطب الملكية السامية لجلالة الملك سيدي محمد السادس حفظه الله منذ شهر يوليوز 1999 ، وخطب جلالة الملك المغفور له مولانا الحسن الثاني طيب الله ثراه ،
– النصوص القانونية من القانون الدولي المؤسس على البيعة لسلاطيننا حتى رأي محكمة العدل الدولية سنة 1975 مرورا بالقرار XV-1514 ل14 دجنبر 1960 للجمعية العامة لهيأة الأمم المتحدة .
بالموازاة مع التأطير الإجتماعي والسياسي تقوم الدولة بتعزيز وتكثيف الإستثمارات اللازمة والكافية للنهوض بالساقية الحمراء ووادي الذهب .
2.3 مكونات القطب البنيوي-التحتي :
إن تنمية النسيج الاقتصادي على المستوى المحلي والإقليمي والجهوي كفيل بأن يحقق بسلاسة وسهولة كبيرتين كل طموحات مكونات المحور الاجتماعي ويثبط عزائم التخريب الواردة من الخارج ويحبط كل محاولات نصب الأفخاخ مهما كان نوعها ، وذلك بتعزيز البنيات التحتية الأساسية المكونة من مجموعة من المنظومات.
القطاع العام :
من أجل تفادي هاته المطبات ومواجهة المخططات الشيطانية التي يضعها أعداء وحدتنا الترابية ، تقوم الدولة ببناء منظومة البنيات التحتية الأساسية التي يقوم القطاع العام بتشييدها :
.ا- منظومة شبكة الطرق بكل أصنافها الثانوية والإقليمية والجهوية والوطنية والسريعة والسيارة والسكك الحديدية في كل فضاء صحراءنا الغالية بالساقية الحمراء ووادي الذهب من طرفاية إلى تيشلا ومن الگرگرات إلى جدار تندوف ،
.ب- منظومة الفضاء الإقتصادي : بناء مناطق الأنشطة الإقتصادية والمناطق الصناعية والغرف التجارية والصناعية الخدماتية والفلاحية ،
.ج- منظومة المواصلات الأرضية والبحرية والجوية : بناء محطات القطارات والمحطات الطرقيكة والموانيء والمطارات ،
.د- منظومة التربية والتعليم والتكوين : بناء المدارس الإبتداءية والثانويات والجامعات والمعاهد العليا التجارية منها كمجموعة المعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات Groupe-ISCAE والمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير ENCG والمدارس التقنيةالعديدة الخ في كافة مدننا وقرانا بصحراءنا ،
.ه- منظومة الصحة : بناء المستشفيات ، والمستوصفات وتدبيرها وتأطيرها من طرف أطباء وممرضين وإداريين ،
.و- منظومة الشأن الإجتماعي : بناء دور الطلبة والأندية الثقافية والرياضية الخ
- قطاع البنيات التحتية الإقتصادية :
تحتوي هاته البنيات على الوحدات المنتجة والمؤطرة للإنتاج والتي تتكون من مجموعة منظومات من بينها :
.ا- القطاع الخاص المصرفي والبنكي :
مساهمة القطاع المالي مساهمة عالية الحيوية للنهوض بكامل صحراءنا بتمويل المشاريع المدرة للدخل وذلك عن طريق القيام بدراسات اقتصادية قطاعية ودراسات الجدوى لكل مشروع قابل للإنجاز من أجل استقطاب حاملي الأفكار الإستثمارية في عدة قطاعات من بينها :
.ب- القطاعات الكلاسيكية كقطاع الصيد البحري والنقل والميكانيك والإكترو-ميكانيك والكمياء ،
.ج- القطاعات الحديثة كالتكنولوجيا الإلكترونية واللوحات الشمسية واللوحات الريحية وكل الطاقات المتجددة ،
.د – تقديم القروض والسلفات بنسب فائدة جد مناسبة خصوصا للصغيرة جدا المبتدأة start-up وللمقاولات الصغيرة والمتوسطة PME-PMI مع تمويل قد يصل إلى 100% للمبتدئة ،
.ه – الضمان من طرف صناديق الضمان المركزية والجهوية بسقوف عالية تتراوح ما بين 95 إلى 100% ،
. القطاع الصناعي
إن الصناعة هي القطب الأقوى في كل اقتصاد والقلب النابض لتحريكه عن طريق تحريك كل قطاعاته وتحريك المجتمع بكل فئاته وشراءحه ، فهو يوفر التشغيل الذي يوفر شروط الحياة الكريمة والعيش الرغيد ، هاته الشروط التي تخلق حركية تجارية متنوعة ورواجا اقتصاديا يمكن من إعادة استثمار القيمة المضافة التي تمكن الاقتصاد من انتاج ثروة تراكمية وطنية تجعل المواطنين يعيشون في رفاهية ونسج روح التضامن والتآخي بين كل مكونات الأمة .
انطلاقا من الواجب الوطني وروح المواطنة الحقيقية المتجذرة في أحشاء المغاربة ، المطلوب من القطاع الخاص المكون من أصحاب رؤوس الأموال ورجال الأعمال توجيه استثماراتهم إلى صحراءنا المسترجعة للقيام ببناء المعامل والوحدات المنتجة في كل القطاعات الإقتصادية بمساندة جميع وكل الإدارات المعنية التي توجه وتؤطر المستثمرين حسب الطاقات والإمكانيات والموارد المحلية والإقليمية والجهوية والحاجيات الإستهلاكية الوطنية والتصديرية بتنسيق مع السلطات الإدارية اللاممركزة والمنتخبة اللامتمركزة في الأقاليم والعمالات والمجالس الإقليمية والجهوية .
- قطاع الخيرات الباطنية
البحث والتنقيب عن الخيرات الباطنية التي تزخر بها بطون صحرائنا الغالية من مياه ومعادن من أدناها إلى أقصاها على كل مساحة الجهتين جهة العيون الساقية الحمراء وجهة الداخلة وادي الذهب وذلك عبر استخراج طاقاتها الطبيعية الكثيرة والمتنوعة الحية الراقدة في أحشائها .
ا- التنقيب عن الماء : تزخر صحراؤنا بفرشات مائية كبيرة تمتد من جنوب السعيدة ووجدة إلى تخوم الصحراء الغالية ، وقد سجلنا هذا المعطى خلال فصل الربيع لسنة 1987 ونحن ندخل مدينة العيون في “قافلة التنمية” التي كانت نظمتها آنذاك الإذاعة والتلڤزة المغربية ، معطيات ومعلومات ستوفرها لنا إداراتنا المختلفة المختصة لضبط مكامن خيراتنا المائية على مجموع تراب صحرائنا.
.ب- التنقيب عن المعادن الباطنية التي تزخر بها أرضنا الغنية والمعطاء من ذهب وفضة وفوسفاط وحديد ونحاس ومنغنيز وكوبالط الخ .
.ج- التنقيب عن المحروقات من غاز وبترول في الساقية الحمراء ووادي الذهب أرضا وبحرا ، سيرا إلى المناطق الحدودية الجنوبية والشرقية المحاذية لجنوب وشرق تيشلا وأگونينيت وأوسرد وميجك وأم دريگة وكل منطقة شرق السمارة والزاگ حتى جدار تيندوف ،
- بناء وحدات الطاقات الطبيعية
إن التنمية بكل أبعادها تتطلب حضورا نفسيا قويا وإرادة صلبة مشيدة على روح التضحية المنبجسة من حب الوطن من أجل الإنصهار في بناء أسس التقدم وتعزيز البنيات الأساسية للدولة .
صحراؤنا تدعونا بحب تارخي قوي وفريد من أجل استثمار ما تكرم الله عليها به من خيرات طبيعية من قدرة إفراز طاقات متجددة تتلاق وعبقرية المواطن المغربي في الخلق والإبداع.
.ا- الطاقات المتجددة :
علينا العمل بتكثيف الجهود بالاستثمار في الطاقة الشمسية والطاقة الريحية وكذلك البحث في إمكانية الاستثمار في الطاقة البحرية المتولدة من أمواج المحيط الأطلسي المحاذي لشواطئنا الصحراوية .
.ب – بناء الجدار الأخضر :
ليس بعزيز على الله سبحانه وتعالى أن يتم بناء جدار أخضر بتشجير صحراءنا متكئين على عزيمتنا وإرادتنا وصمودنا .
في هذا الإطار أقترح فكرة اقتبستها من مشروع راءع جدا أنجز بدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة حين إحدى زياراتي لها في إطار المجتمع المدني بدعوة من سمو الأمير الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل-نهيان رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جنانه .
بعد زيارتي لدبي وحين تنقلي من أبو ضبي إلى مدينة العين لاحظت أن الطريق السيار كان محفوفا يمينا وشمالا بأشجار أوراقها رقيقة على شكل إبر تسقط على الرمل وتكون طبقة ورقية ما تلبث أن تفرز مع الوقت غطاء أرضيا يغطي كليا الرمال بشكل تدريجي ، ومع مرور الزمن تتوسع هاته الفرشة الأرضية مبتعدة يمينا وشمالا عن محور الطريق مغطية المساحات الرملية الواسعة الموازية .
تخطيطنا لانتزاع حجر ورمال صحرائنا من الجفاف وتمريره إلى الإخضرار والرطوبة النسبية يطلب ويتطلب منا مجهودا إبداعيا واستثماريا وتضحيات مهمة ، فكرا وتخطيطا وتمويلا ، لتشجير مدننا وقرانا وجنبات طرق صحراءنا الفسيحة الذهبية .
تمتد هاته المجالات انطلاقا من طرفاية إلى الگويرة ومن الگرگرات إلى بير گندوز فتيشلا فزوگ فأگونينيت فأوسرد فميجك فگليبت الفولة وأم دريگة فبئر-أنزران فگلتة زمور فبوكراع فالسمارة فأمگالة وتفاريتي والحوزة وجديرية فبير لحلو موازاة مع الفارسية والمحبس حتى باب جدار تندوف .
وفي الختام …
أود أن أتوجه إلى عدد من أطرنا الصحراويين الذين ما زالت تغويهم وتستهويهم الخطابات الحماسية الطنانة التي تجذبهم إلى حنين الستينات والسبعينات على أساس معادلة إيديولوجية تربط بين الهيكلة النظامية السياسية التقليدية وقيم الحرية والعدل والمساوات.
أؤكد هنا ما قدمته بتفصيل كبير في كتابي الأخير باللغة الفرنسية حول : “الصحراء المغربية من المسيرة الخضراء إلى الگرگرات ، روابط قانونية وعلاقات اجتماعية-ثقافية ” أن كل تلك التحاليل مبنية على استنتاجات مغلوطة مطلقا لأنها ميكانيكية كليا وتعكس نقصا في فهم القانون الدستوري النظري وفي جهل للتاريخ الدولي وبعد عن تكييفه مع الواقع المعاش للدول والأمم والشعوب والظروف الوضعية والموضوعية لكل فضاء سياسي واجتماعي ، فالوطن يبقى أسمى من كل اعتبار وأعلى من كل اختلاف .
وبالتالي فمهما كانت درجات اختلاف مواطنينا مع إداراتنا وسياسات حكومات بلادنا في تدبير السياسات العمومية ، فإنه يجب أن تجمعنا وطنيتنا وحبنا لوطننا ، لأن التسيير والتدبير مرحلي والوحدة الوطنية أبدية سرمدية .
كل موقف خارج عن هذا النسق وشارد عن هذا السياق هو تنكر لوطننا الغالي وقيمه السامية وهويته المتجذرة في أحشائنا وتاريخه المجيد .
مهما كانت الإختلافات في الإنتماء الفكري والتخطيط التنموي والحاجيات الإجتماعية الآنية ومهما كانت أشكال وأنواع سوء التدبير الإداري والسياسي والإقتصادي ، يجب أن يبقى وطننا الغالي المغرب الحبيب الشامخ فوق كل هاته الإختلافات والإعتبارات في الرأي والمنظور التدبيري ، ما دام اختلاف الرأي لا يفسد في الود قضية .
لأن الإختلافات مهما كانت مستوياتها مرتفعة فإنه سينتهي بها المطاف ، عاجلا أم آجلا ، إلى إيجاد حلول شافية وكافية للأمة ما دمنا نبني ديمقراطيتنا بتأن وعقلانية وبعد نظر ، ولكن التفريط في وحدة أمتنا الهويتية والإجتماعية والترابية ضعف ذو بعد هيكلي استراتيجي يفضي إلى زعزعة وحدة الأمة وتشتيت روافذها وبالتالي القضاء على كيانها ووجودها .
لاحظت مرارا وتكرارا ولا زلت ألاحظ من حين لآخر ، أن عددا لا يستهان به من أساتذة جامعيين وممن يصنفون ذاتيا أنفسهم مفكرين ومثقفين ، وهو إطلاقا غير ذلك ، يخلطون بين “التدبير المرحلي” الذي هو بعد آني مع “هوية ووحدة الوطن” الذي هو بعد هيكلي مؤسساتي .
إن تشبثنا بشعارنا الخالد هو أقوى درع ضد الخونة لوطنهم .
*أستاذ جامعي- ومدير سابق بالبنك الوطني للإنماء الإقتصادي ومدير التعاون الدولي وتنمية القطاع الخاص بوكالة الشمال -ومدير المعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات ISCAE بالرباط .