لم يتردد الملك الراحل الحسن الثاني، إبان اندلاع ثورة الخميني في إيران، في الترحيب بالشاه محمد رضا بهلوي للمجيء للمغرب والمكوث به ما شاء من الوقت، لما علم بأنه غادر إيران في خضم الثورة، وهي الفرصة التي انتهزها بهلوي قبل أن يتغير مسار الأحداث.
رغم الاختلاف الذي ظهر في بعض القضايا بين المغرب وإيران قبل انتصار الثورة الإسلامية، إلا أن العلاقات بين البلدين في عهد الشاه تميزت بنوع من التوافق السياسي تجسد في تمثيل دبلوماسي وتنسيق أمني في بعض الأحيان، واستمد هذا التوافق قوته من العلاقة الشخصية التي كانت تربط الملك بالشاه.
كانت علاقات مودة وصداقة قوية تجمع بين أسرتي الشاه والملك، فبالإضافة إلى الزيارات الرسمية، كانت أسرة بهلوي، في فترة حكمه، قد وجهت دعوة لأبناء الأسرة العلوية للإقامة بالقرب من بحر قزوين.
ثورة الخميني
في نهاية السبعينات ستؤدي عدة عوامل، أبرزها التضخم الاقتصادي وسياسة القمع ومعارضة رجال الدين للشاه، إلى قيام ثورة بالبلاد بزعامة رجل الدين المعارض آية الله الخميني الذي كان بالمنفى. فقمع النظام الاحتجاجات بشكل وحشي وهو ما أدى إلى تصاعد الأحداث بشكل تراجيدي.
بعدما انزلقت الأحداث إلى مستنقع العنف، أعلن الشاه في نهاية 1978 استعداده لتسليم منصب رئاسة الوزراء للمعارضة، وهو العرض الذي رفضه الخميني ودعا لمواصلة المظاهرات. وفي بداية 1979 قرر الشاه مغادرة البلاد إلى الخارج بذريعة طلب العلاج، بعد أن عيّن أحد قادة “الجبهة الوطنية” المعارضة، شابور بخيتار، رئيسا جديدا للوزراء.
وبمجرد مغادرة بهلوي إيران، رحب به الحسن الثاني للمجيء إلى المغرب، “بحيث عندما علمت أنه حل بالقاهرة اتصلت به هاتفيا لأقول له: إنني يا رضا حزين لما أصابك، ومهما يكن فاعلم أنك إذا أردت المجيء إلى المغرب فستجد أبوابه مشرعة لك على مصراعيها وسوف يسرنا غاية السرور أن نستقبلك، ويمكنك أن تمكث بالمغرب ما شئت من الوقت”، حسب ما ورد في “مذكرات ملك”.
نجدة الحسن الثاني
وفي هذا الصدد تحكي فرح بهلوي زوجة الشاه، في مذكراتها، أنها زوجها تلقى دعوة من الملك الحسن الثاني بعد ستة أيام فقط من وصولهم إلى مصر، “سافرنا إلى المغرب بالطائرة، وجاءت دعوة من الملك الحسن الثاني كنجدة لزوجي، الذي لم يرغب في إساءة استغلال كرم ضيافة الرئيس السادات، على الرغم من أن الرئيس جدد دعوته وأوضح بوجه خاص أن مصر أقرب إلى إيران من أجل تنظيم المقاومة التي كان يعد لها”.
ويحكي الحسن الثاني، أن بهلوي هاتفه بعد أسبوع من دعوته ليقول له: “إنني قادم”، فأقام بالمغرب عدة أشهر، “وكان يقود سيارته بنفسه ويتجول في الشوارع، وكان الطريق الذي يسلكه محاذيا للجامعة، ولم يحصل قط أن ارتفع صوت واحد مناهض له، وعندما كان يذهب إلى المدينة القديمة كان الناس يحترمون وجوده وأفراد عائلته كضيوف، ولم يشتك قط من أي مظهر من مظاهر العداوة أو البغض ولا حتى من نظرة يشتم منها ذلك”.
وحرص الحسن الثاني عند استقباله للشاه بمطار مراكش أن يصطحب زوجته، وأنزل ضيوفه بفيلا خارج مراكش، وصفتها زوجة الشاه بأنها “عصرية جميلة ذات حديقة واسعة، بنيت في واحة خارج البلدة”. ثم تم نقل أسرة الشاه من مراكش إلى قصر في العاصمة الرباط وضعه الحسن الثاني تحت تصرفها.
وتحت ضغط الإعداد لاستقبال المؤتمر التحضيري لوزراء الدول الإسلامية، اضطر الحسن الثاني أن يطلب من ضيفه مغادرة البلاد، تحسبا لإثارة أي ضجة أو امتناع المشاركين في المؤتمر عن المجيئ إلى المغرب إذا ظل به الشاه، وهو ما سيؤثر على الرأي العام المغربي.
“وبما أنني لا أحبذ تصعيد الأحداث خصوصا السلبية فإنني فضلت أن أطلب منه مغادرة المغرب وهكذا أطلعته على الأمور، ووضحت له أن الأمر يتعلق بالمصلحة العليا لبلادي: فيستحسن أن تبحث لك عن مكان آخر تقيم به بعض الوقت ثو تعود”، حسبما روى الملك الراحل.
وأضاف أن رضا بهلوي بدا “حزينا كئيبا”، وعن اللحظات الأخيرة التي قضاها الشاه بالمغرب، يقول الحسن الثاني: “لقد صعدت إلى الطائرة التي كانت ستقله لتوديعه وآخر رسالة تلقيتها منه كانت عبارة عن نظرة ملؤها الحزن العميق، نظرة إنسان يفوض أمره إلى الله”.
لكن زوجة بهلوي أوردت رواية أخرى، مخالفة بعض الشيء لرواية الملك، عن مغادرتهم للمغرب، قائلة إن ألكسندر دي مارينش مدير المخابرات الخارجية الفرنسية التقى الشاه بمراكش، ليبلغة المخاطر التي يواجهها الملك الحسن الثاني بسببه.
“وهي مخاطر بالطبع ذات طبيعة دبلوماسية وأيضا شخصية، فوفقا لما ذكر، أمر الخميني أتباعه المتعصبين بخطف أفراد الأسرة الملكية حتى يمكن مبادلتهم بنا”، مضيفة أنه أبلغ أيضا الحسن الثاني، “الذي رد بشجاعة: إنه أمر فظيع، لكن ذلك لا يغير قراري بأدنى قدر، لا أستطيع أن أرفض استضافة رجل يمر بفترة مأساوية في حياته”، حسب ما ورد في مذكرات فرح بهلوي.
بهلوي يغادر
توجه الشاه إلى بنما حيث تدهورت حالته الصحية “ولم أكن أعرف أن المرض الذي يعاني منه سيؤدي سريعا إلى نهاية مأساوية، ثم استوجب الأمر نقله إلى الولايات المتحدة الأمريكية قصد العلاج”، يحكي الحسن الثاني.
وتلكأت الولايات المتحدة الأمريكية في السماح للشاه بزيارة أراضيها قصد العلاج، وما كان له ليطأ التراب الأمريكي لولا عدد من الضغوط والتدخلات. والواقع أن واشنطن كانت، آنذاك، تمر “بأزمة أخلاقية كبرى لم تزدها قضية الرهائن المحتجزين بالسفارة الامريكية بطهران إلا استفحالا”، حيث هاجم إيرانيون السفارة الأميركية في طهران وطالبوا بالشاه مقابل إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في السفارة.