في الجزء الأول من كتاب “حول العالم” قلت إن كولومبوس استعان في رحلته لاستكشاف القارة الأمريكية بمرشدين من الأندلس، وأن المستكشف الإسباني فراماركوس دينيز استعان بمرشد مغربي اسمه “إسطفان” قتله الهنود الحمر عام 1539 في نيومكسيكو.. وكان إسطفان هذا(وهو من قرية أزمور المجاورة للدار البيضاء) قد استكتشف قبل ذلك ولاية فلوريدا لصالح حملة بانفيلودي نارفيز ثم استوطن أريزونا وكان ضمن أول ثلاثة أفراد عبروا القارة الأمريكية.
وفي حال عدنا إلى ما قبل الحملات الإسبانية نجد أن المسعودي وأبا حامد الغرناطي قد تحدثا عن ثمانية مغاربة أبحروا عن طريق الخطأ إلى أراض خلف (بحر الظلمات) وعاشوا فيها فترة قبل أن يعودوا إلى المغرب في القرن التاسع الميلادي.. وقد وردت سيرة هؤلاء المغامرين وهم أبناء عمومة في كتابات كراتشكوفسكي وتم التحقق منها عام 1952 في قسم الجغرافية في جامعة ويتواتر البرازيلية.
وكان الدكتور كمال النمر قد ذكر في كتابه (أحوال التربية الإسلامية في أمريكا) أن بعض البحارة المغاربة قد انطلقوا من الأندلس عام 1150 ميلادية واستقروا على شواطئ ما يعرف الآن بالبرازيل.. كما وجدت في إسبانيا تقارير تعود لعام 1790 عن مغاربة مسلمين هاجروا من إسبانيا -زمن الاضطهاد- واستوطنوا جنوب كاليفورنيا وفلوريدا. أما سر الجنسية المغربية لهؤلاء المرشدين فيعود ببساطة الى أن الموقع الجغرافي للمغرب يقابل القارة الأمريكية.. وهذا التقابل أتاح لكثير من الصيادين وأصحاب المراكب الكبيرة الوصول للطرف الآخر من البحر (ولو عن طريق الخطأ خلال قرون طويلة من خوض البحار) !.
أما في العصور المتأخرة فيمكن القول إن “العراقي” إلياس الموصلي كان أول رحالة عربي هاجر وكتب عن القارتين الأمريكيتين قبل ثلاثة قرون. ففي عام 1668 سافر من بغداد لزيارة القدس ثم تجول في الشام ثم من ميناء اسكندونة أبحر إلى البندقية وفرنسا وإسبانيا.. وفي إسبانيا سمع بوجود القارة الجديدة فسافر إليها وتجول فيها وكتب عنها وعن أهلها!
هذه الرحلة العجيبة كشف عنها لأول مرة الأب أنطوان رباط اليسوعي في مطلع هذا القرن في مجلة المشرق (في العدد 18 في 15سبتمبر 1905) ومما قاله أنطوان اليسوعي: في أيار من هذا العام وبينما كنت أطالع بعض المخطوطات القديمة في مطرانية السريان بحلب، لفت نظري مخطوطة بعنوان “سياحة الخوري إلياس الموصلي” فقرأناها وأخذنا العجب من غناها فعولنا على نشرها وإعلام الناس بها.. وهو الخوري إلياس ابن القسيس حنا الموصلي الكلداني ركب البحر من قادس في إسبانيا ووصل إلى أمريكا الجنوبية بعد 55 يوماً.. ثم ساح في أنحاء بنما وكولومبيا وبوليفيا وعمل في مناجم البيرو. وفي عام 1680 كتب القسم الأول من رحلته.. ثم ذهب إلى المكسيك وعاش فيها مدة وكتب فيها بقية المخطوطة قبل أن يقفل راجعاً إلى إسبانيا فرومية.. وقد استغرقت رحلته اثنتي عشرة سنة”…(انتهى كلامه باختصار).
وباختصار؛ كان كولومبس آخر وليس أول رجل يكتشف أمريكا.. بالإضافة إلى أن عشرات البحارة المغاربة سبقوه في ذلك.. مات الرجل وهو يعتقد أنه اكتشف الهند.