عادل بنحمزة
من المؤكد أن سنة 2022 ستبقى محفورة في ذاكرة النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، إذ حقق المغرب خلال السنة التي نودعها مكاسب عديدة في إطار تثبيت مغربية الصحراء مع تزايد الدعم الدولي لمقترح الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية. فعدد الدول المساندة للمبادرة المغربية تجاوز تسعين دولة، كما أن عدد الدول التي فتحت قنصليات لها في كل من العيون والداخلة، يتجاوز ثلاثين دولة.
هذه الدينامية الدولية لا تعبر فقط عن صدقية سردية المغرب حول النزاع المفتعل في الوسط الدولي، بل بصفة خاصة تكريس قناعة لدى كثيرين من صانعي القرار في العواصم العالمية، خلاصتها أن الحفاظ على توتر مفتعل في أقصى شمال غربي إفريقيا يجر وراءه إرث الحرب الباردة، يمكن أن يتحول إلى نزاع إقليمي قد يورط جزءاً حيوياً من العالم في اضطرابات أمنية بصفة مباشرة وغير مباشرة لا أحد يستطيع التنبؤ بآثارها وتداعياتها على الأمن والسلم الدوليين.
فالحرب الروسية على أوكرانيا تمثل نموذجاً للنزاعات التي لم يتم حلها في حينها، وهي تعتبر اليوم، بلا شك، مقدمة لإعادة بناء نظام دولي جديد ثلاثي الأقطاب (الولايات المتحدة، الصين وروسيا) قائم على الصراع، فالأطراف الثلاثة تسعى إلى إعادة تحديد مجالها الحيوي وبطبيعة الحال هذه العملية ستخلف مواجهات على حدود المجالات الحيوية ذات الطبيعة الأمنية والاستراتيجية عالية الحساسية، وخطوط التماس ستكون في المحيط الهادي حول بحر الصين إلى أستراليا ثم الحدود الشرقية الشمالية لأوروبا من بحر البلطيق إلى البحر الأسود، ثم في إفريقيا التي تعرف منافسة اقتصادية غربية ضد الصين مع مواجهة محتملة غربية روسية بسبب الحضور العسكري الروسي المتزايد في إفريقيا (ليبيا، مالي، إفريقيا الوسطى). لذلك فإن استمرار نزاع مفتعل في الصحراء المغربية يعتبر تركة من الحرب الباردة في منطقة مهمة من شمال إفريقيا تتميز بقربها من أوروبا وفي مواجهة السواحل الأميركية الشرقية، ما يعتبر تهديداً استراتيجياً خطيراً للأمن الأميركي والأوروبي.
هذه المخاطر الجدية دفعت العديد من الدول الغربية إلى مراجعة طريقة تعاطيها التكتيكي الأقرب إلى الابتزاز مع المغرب ووحدته الترابية، لذلك نلاحظ أن هذه الدول والاتحاد الأوروبي سارعت الى التعبير عن مواقف مؤيدة للمغرب كشريك موثوق به في المنطقة، إذ يمكن القول إن المغرب نجح في عكس الضغوط التي كان يتعرض لها، إلى مواقف تأييد واضحة تأخرت لعقود طويلة، وقد ظهرت هذه الخلفية أيضاً في قرار مجلس الأمن 2654 الذي كرس مركزية مبادرة الحكم الذاتي، لكن مع ذلك ونحن نطوي سنة 2022، لا بد من التأكيد أن التحول الذي عرفه الموقف الإسباني من قضية الصحراء المغربية والداعم لمقترح الحكم الذاتي، يبقى من دون منازع أهم حدث ليس فقط في سنة 2022 بل على امتداد تاريخ النزاع المفتعل منذ المسيرة الخضراء.
الخطاب الملكي في مناسبة ثورة الملك والشعب لهذه السنة، ثمن الموقف الواضح والمسؤول للجارة الشمالية إسبانيا، والتي وصفها بأنها “تعرف جيداً أصل هذا النزاع وحقيقته”. الموقف الإسباني من قضية الصحراء المغربية مر بمراحل عدة، وقد اتسم على العموم بحياد معلن، لكن في الواقع كانت العقيدة هي ترك النزاع يتمدد ما من شأنه أن يلهي المغرب عن جملة من القضايا، لذلك من المفيد إعادة تركيب صورة الموقف الإسباني من قضية الصحراء المغربية لأن ذلك ما يعطيه خصوصيته وأهميته في المرحلة الحالية وهو ما يجعله عن حق، حدث سنة 2022.
في 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 1976، أشرف الجنرال غوميس سالازار، الحاكم الإسباني للصحراء المغربية (عندما كانت تحت الاحتلال الإسباني)، على إنزال العلم الإسباني ورفع العلم المغربي بحضور عامل إقليم الصحراء الراحل أحمد بنسودة، جاء ذلك تنفيذاً للاتفاقية الثلاثية بين المغرب وموريتانيا وإسبانيا، والتي عرفت باتفاقية مدريد التي أنهت عهد الاستعمار الإسباني للساقية الحمراء ووادي الذهب والذي امتد منذ 1884. وقد وُضعت الاتفاقية لدى الأمم المتحدة. هذه الاتفاقية شكلت تتويجاً لمسار طويل خاضه المغرب منذ حصوله على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة سنة 1956، إذ طرح المغرب موضوع تحرير الصحراء أمام لجنة الوصاية، وشكل هذا المطلب نقطة دائمة تكررت كل سنة، وذلك إلى حدود كانون الأول (ديسمبر) 1960، تاريخ إحداث لجنة تصفية الاستعمار. تفاعلت المنظمة الدولية إيجابياً مع المطلب المغربي، بل صدرت قرارات أممية سنتي 1964 و 1965 تندد بالاستعمار الإسباني، وتطالب مدريد بتصفية الاستعمار في الصحراء وسيدي إفني حاضرة قبائل أيت في عمران التي تم تحريرها من الاستعمار الإسباني سنة 1969، وبالدخول في مفاوضات بشأن القضايا التي تطرحها مسائل السيادة.
هذه الوقائع التاريخية تثبت مسألتين رئيسيتين، الأولى أن إسبانيا، المستعمر السابق للصحراء، تعرف جيداً خبايا القضية المفتعلة في الصحراء المغربية كما أكد ذلك الخطاب الملكي، وتعلم أكثر من غيرها أن عملية تصفية الاستعمار تمت، وأن الحكومة
الإسبانية على عهد الجنرال فرانكو، أقرت سيادة المغرب على الصحراء باعتباره صاحب السيادة الأصلية، المسألة الثانية هي إقرار إسبانيا من خلال الوقائع على الأرض، بأن المغرب هو الطرف الوحيد الذي كان مدعواً الى التفاوض معها بخصوص تصفية الاستعمار سنوات طويلة قبل إنشاء العقيد القذافي وهواري بومدين الجبهة الانفصالية، وأن عملية الانسحاب الإسباني من الساقية الحمراء ووادي الذهب، كانت استمراراً لانسحابها من طرفاية سنة 1958 وسيدي إفني سنة 1969.
لذلك فإن الموقف الإسباني يعتبر شهادة تاريخية لها صدقية كبيرة بين دول العالم، وذلك ما أزعج النظام الجزائري الذي كان لا يزال يوهم الرأي العام الدولي أن مدريد هي الوحيدة التي تملك إدارة الصحراء إلى حين تقرير المصير، وهذا ما يفسر اعتبار الخطاب الملكي لهذا الموقف الإيجابي لإسبانيا، مؤسساً “لمرحلة جديدة من الشراكة المغربية الإسبانية، لا تتأثر بالظروف الإقليمية، ولا بالتطورات السياسية الداخلية”…
هذه جملة من الاعتبارات والأبعاد التي تؤثر في الدينامية التي يعرفها الاحتضان الدولي لمقترح الحكم الذاتي وفي صدارته الموقف الإسباني، فهل تستوعب القيادة الجزائرية خطورة المرحلة التي يجتازها العالم لبحث حلول تحفظ حق شعوب المنطقة في التطور والتنمية؟ أم أنها مرة أخرى ستسعى لاستثمار الظرفية الدولية كما استثمرت بالأمس الحرب الباردة وتدفع المنطقة إلى الحدود القصوى من الصراع؟
الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي الملاحظ جورنال وإنما عن رأي صاحبها.