فگيگ: حلم في صحراء الزمن
ابو طبي: سعيد ودغيري حسني
في عام 2010 كان حلمي يزهر في أفق فجيج، حيث كانت الرياح تعزف على أوتار الصمت وحيث كانت الرمال تختبئ خلف غيومٍ من الماضي.
قررت أن أزرع فكرة في قلب الصحراء حلمًا ينبثق من جوف الأرض مهرجانًا دوليًا للسينما البيئية تحت شعار “الماء” كان الماء في تلك اللحظة حلمًا يسير على قدميه في الأرض وكان السينما في رأيي هي الجسر الذي سيجمع بيننا وبين العالم.
لكن، كما يحدث دائمًا عندما تعبر الأفكار حدود الواقع، تصطدم بجدرانٍ من التردد والصراعات صراعات قديمة، لا تنتهي بتلك البساطة التي يظنها البعيدون تضاربت المصالح وتداخلت الأيدي في طيّات المشهد، ليأتي الفشل كغيمة ثقيلة تحجب عنّا ضوء الشمس. لكنَّ الفشل كان درسًا قاسيًا علمني ألا أرفع يدي للأرض وألا أستسلم للحظة الفقد.
ومع ذلك كانت فكرة “الماء” قد زرعت بذورها في عمق الوعي الجمعي، وما زالت تعيش في قلبي مهرجان السينما البيئية الذي كان لي شرف إطلاقه في ذلك العام كان مجرد بداية لحلم طويل
ورغم التحديات التي واجهناها ظل الماء هو الشعار الذي جمعنا، والمرآة التي رأينا فيها مشاكلنا وآمالنا.
اليوم، وبعد مرور السنوات أصبح الحراك حول الماء في فجيج أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. المياه تلك الثروة التي ظننا أنها لا تنضب أصبحت قضية محورية في حياة أهل الواحة. إن شحّ المياه والجفاف أصبحا يهددان حياة سكان المنطقة مما يجعل من مسألة التوزيع المستدام للمياه في فجيج أمرًا لا يقبل التأجيل. وما كان في 2010 مجرد فكرة سينمائية حول الماء أصبح اليوم نداءً حقيقيًا للتحرك والعمل.
مرَّ الزمان وها أنا اليوم أعود من جديد، ليس كما كنت بل بأفق أوسع بحلمٍ آخر، لكنّه لا يزال يحمل نفس المضمون. كل عام، نقيم مهرجانًا فنيًا تحت لواء النقابة المهنية المغربية لمبدعي الأغنية كأننا نزرع الأمل في الأرض الجافة ونرويها بمياه الروح، ولكن لا يكفي هذا. فجيج واحة الصمت، لازالت تتنفس أملًا لكنها بحاجة إلى أكثر من مجرد ألحان موسيقية تعزف بين جدران الزمن.
فجيج تحتاج إلى خطة، تحتاج إلى قلب ينبض بالحياة في صحرائها الواسعة.
لا يكفي أن نتباهى بجمالها أو نكتفي بالأصوات القادمة من وراء البحر.
فجيج كما أراها قادرة على أن تكون مركزًا للإبداع ينبثق من عمق رمالها، ويتنفس عبر عيون شبابها نعم قد تصبح إذا توفرت الإرادة، مثل “سيليكون فالي” في صحرائنا مركزًا لصناعة الألعاب الإلكترونية، مركزًا لتكنولوجيا تُبنى على أكتاف المستقبل.
إني أرى فجيج بأعين الشعر بأعين من يرى في الصحراء حياة وفي الرمال بذرًا. أرى فيها ملامح مدينةٍ حديثة تنبض بالحياة مراكز تكنولوجيا، مختبرات إبداع ومنصات تصدير للأحلام. فجيج التي شهدت أجيالًا من الشقاء يمكنها أن تحتضن اليوم شبابًا يحملون رؤى الغد.
أليس من الممكن أن نرى هنا أكاديميات لتصميم الألعاب، ومراكز لتدريب العقول الشابة على البرمجة؟ أليس من حقها أن تكون بوابة للأفكار، وقلبًا نابضًا بالتطور؟
ولا ننسى أن فجيج غنية بشمسها بريقها، وإشراقتها التي لا مثيل لها لماذا لا نستفيد من طاقتها الشمسية ونحولها إلى مركز للطاقة المتجددة؟ أليست هذه هي فرصة الأجيال القادمة لبناء غدٍ أفضل في صحراء مليئة بالأمل؟
إلى جانب هذا، يمكن أن تتحول فجيج إلى مركز سياحي مختلف حيث يجتمع جمال الطبيعة مع تراث الأصالة.
يمكننا أن نخلق مزيجًا فريدًا بين السياحة البيئية والتراثية، مما سيجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم.
اليوم وبينما نجد أنفسنا وسط حراك مستمر حول قضية الماء، وهو الموضوع الذي جعلته نواةً لمشروعي منذ سنوات، لا يمكننا أن نتجاهل المسؤولية الملقاة على عاتقنا. فجيج، الواحة التي لطالما عاشت على أنغام المياه تحتاج اليوم إلى حلول مستدامة وإذا كانت السينما قد كانت في 2010 أداةً لفتح الأفق فالماء اليوم هو البوصلة التي يجب أن تظل توجهنا نحو المستقبل
إنني أكتب هذا اليوم لأقول: إن فجيج ليست مجرد مدينة إنها حلم حي، ينتظر من يروي أرضه بالحب والعمل. وما زال في الأفق أملٌ بأن تصبح فجيج ذات يوم، قبلة للإبداع ومنبعًا للتقدم ليعيش أبناؤها في غدٍ أفضل يليق بماضيهم وحاضرهم.