تجفيف منابع الجريمة… ورشة دولية بالرباط تضع الأصول الإجرامية تحت المجهر
في خطوة تعكس الإرادة الوطنية الراسخة في الانخراط الفعلي في المنظومة الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة، انطلقت صباح اليوم بالعاصمة الرباط أشغال ورشة إقليمية رفيعة المستوى حول “تتبع وحجز ومصادرة الأصول الإجرامية”، بحضور ثلة من الخبراء والمسؤولين القضائيين والأمنيين وممثلي منظمات دولية وهيئات إقليمية ووطنية.
التوجيهات الملكية خارطة طريق… ومصادرة الأصول أداة ردع فعالة
جاء تنظيم هذه الورشة، الممتدة على مدى ثلاثة أيام، في سياق التوجيهات الملكية السامية الداعية إلى تكريس قيم الشفافية وتعزيز آليات النزاهة ومكافحة الجرائم المالية المعقدة. ويؤكد هذا الحدث على مكانة المغرب المتقدمة في تبني الآليات القانونية والمؤسساتية الكفيلة بتجفيف منابع تمويل الجريمة، لا سيما تلك العابرة للحدود.
بلاوي: لا محاربة للجريمة دون ضرب جيوبها
في كلمته الافتتاحية، شدد رئيس النيابة العامة، هشام بلاوي، على أن ملاحقة الأصول المتأتية من الأنشطة الإجرامية لم تعد خيارًا قانونيًا فحسب، بل أصبحت أداة استراتيجية و”خط الدفاع الأول” في مواجهة الجريمة العابرة للحدود، والفساد، وتمويل الإرهاب.
وأشار بلاوي إلى أن السياسات الجنائية الحديثة لم تعد تكتفي بمحاسبة الفاعلين، بل تسعى إلى حرمانهم من الاستفادة من عائدات الجرائم، في انسجام تام مع المعايير الدولية وعلى رأسها توصيات مجموعة العمل المالي (GAFI). وذكّر المسؤول القضائي بأن المغرب نجح في الخروج من اللائحة الرمادية لهذه المجموعة في 2023، بفضل انخراطه الجاد في مواءمة تشريعاته الوطنية مع التوصيات الدولية، خصوصًا التوصية رقم 38 المتعلقة بالتعاون القضائي في مصادرة الأصول.
العملات الرقمية تحت المجهر… ودورية قضائية لتعزيز التنسيق الدولي
وبنبرة تعكس الوعي بمخاطر التكنولوجيا الحديثة، نبّه بلاوي إلى التحديات الجديدة التي تطرحها العملات المشفرة والتكنولوجيا المالية، باعتبارها أدوات متطورة لإخفاء الأصول غير المشروعة. وللتعامل مع هذه التحديات، كشف عن إصدار دورية خاصة للنيابة العامة تدعو إلى تسريع التفاعل مع طلبات التعاون الدولي، وتبادل المعلومات حول المستفيدين الحقيقيين من الأصول المشبوهة.
كما دعا إلى مزيد من الانفتاح على آليات التعاون غير الرسمي، من خلال تعزيز القنوات التي تربط المغرب بالشبكات الإقليمية والدولية، مثل شبكة MENA-ARIN، والمبادرات المشتركة مع الإنتربول والمجلس الأوروبي.
النيابة العامة ترفع سقف التحدي: لا تسامح مع غسل الأموال وتمويل الإرهاب
واختتم بلاوي كلمته بالتأكيد على أن النيابات العامة مدعوة إلى مواصلة تحسين جودة التحقيقات، وتسريع وتيرتها، خاصة في الملفات ذات الصلة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب. وأبرز أن دمج الأبحاث المالية مع التحقيقات الجنائية بات أمرًا ضروريًا، لضمان فعالية الملاحقات القضائية، وصون الاقتصاد الوطني من تهديدات المعاملات المالية المشبوهة.