المواطن في العناية المركزة… والغلاء يرقص على إيقاع “الخطابات المسكنة”
رغم إعلان وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح، عن قيام الحكومة بأكثر من 182 ألف عملية مراقبة للأسعار منذ بداية السنة إلى نهاية شهر ماي، وتحرير ما يزيد عن 12 ألف مخالفة، إلا أن واقع الأسواق المغربية يروي قصة مختلفة تمامًا، حيث لا تزال الأسعار تحلّق خارج كل منطق ومعقول، والمواطن يُصارع من أجل تأمين ضروريات العيش.
بين ما يُقال وما يُعاش… هوّة تتّسع
الوزيرة قدّمت الأرقام، والبرلمان استمع، لكن الأسواق لا تصغي لأحد، فالكيلوغرام الواحد من الخضر الأساسية أصبح يُثقل كاهل الأسر، واللحوم لم تعد تزور موائد البسطاء إلا في المناسبات، إن زارتها أصلًا. ورغم التطمينات الحكومية المتكررة، إلا أن الجيوب الفارغة وحدها التي تعرف الحقيقة: الأسعار نار… والمواطن يحترق بصمت.
تحرير المخالفات لا يُسعف القدرة الشرائية
نعم، تم تحرير آلاف المخالفات، لكن أين الأثر الفعلي على الأسعار؟ هل انعكس ذلك في انخفاض أثمان البطاطس، أو الطماطم، أو اللحم، أو السمك؟ الجواب يأتيك من قلب السوق: الأسعار تزداد، والمراقبة تذوب وسط فوضى العرض والطلب، والمضاربات.
الواقع يكشف أن هناك من أصبح يستثمر في هذا اللهيب: بعض الجزارين وتجار الجملة تحولوا إلى “أثرياء الأزمات”، بينما المواطن البسيط يعيش على إيقاع التقشف القسري، و”الشراء بالقطعة”، و”الدين المؤجل”، والشكوى التي لا يسمعها أحد.
من يحمي المواطن؟ وأين لجنة مراقبة الأسعار؟
الأسئلة تتكرر، والجهات المسؤولة تلتزم بالصمت أو تُجيب بأرقام لا تُطعم خبزًا. أين هي لجنة مراقبة الأسعار؟ من يضع حدًا لجشع بعض المضاربين؟ من يحاسب من حول الأسواق إلى ساحات استنزاف؟.
في الأسواق الشعبية، تكثر الحكايات عن تحكّم “كبار الجملة” في مسارات التوزيع، ورفع الأسعار في غياب أي رقابة صارمة أو تدخّل زجري حقيقي. المواطن لا يريد خطابات مطمئنة، بل يريد أن يلمس الأثر في ثمن الخبز، وفي وجبة الغداء، وفي قوت أبنائه.
فأما الوزارات تكتفي فقط بالتحدث بلغة الإحصائيات، والمواطن يئن بلغة المعاناة. وبين هذا وذاك، يبقى الغلاء سيد الموقف، والمراقبة حبرًا على ورق، والإرادة السياسية المطلوبة لإعادة التوازن إلى السوق لا تزال رهينة الانتظار.
فإلى متى يبقى المواطن رهينة الجشع… وضحية صمتٍ رسميٍّ طويل؟