كوب 30: عشر سنوات على اتفاقية باريس والتحدي الحقيقي للتنفيذ والتمويل
في افتتاح مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ كوب 30 في مدينة بليم بالبرازيل، يتوقف العالم أمام مراجعة عشر سنوات من الالتزامات الدولية منذ توقيع اتفاقية باريس عام 2015. عقد من الزمن لم يشهد تقدماً حقيقياً في معالجة أزمة الاحترار العالمي، حيث لا تزال فجوة التنفيذ واسعة، وتمويل مكافحة التغير المناخي غير كافٍ، مما يطرح أسئلة جدية حول قدرة المجتمع الدولي على مواجهة التحديات البيئية المستقبلية.
تشير بيانات برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أن الالتزامات الحالية للدول لا تتماشى مع الأهداف العلمية للحفاظ على ارتفاع الحرارة دون 1.5 درجة مئوية. حتى في حال تنفيذ المساهمات الوطنية المحددة، يتوقع أن يرتفع متوسط درجة الحرارة بين 2.3 و2.5 درجة، فيما تصل التقديرات الحالية المستندة إلى السياسات المعمول بها إلى 2.8 درجة. هذه الفجوة تعكس ضعف آليات المراقبة والتنفيذ، وتؤكد أن الحديث عن الالتزامات وحده لم يعد كافياً.
الأبعاد الصحية والاقتصادية لتأخر التنفيذ تتضح بجلاء في تقارير عدة مؤسسات دولية. فالاعتماد المستمر على الوقود الأحفوري والفشل في التكيف مع ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى أضرار مباشرة على صحة الإنسان، بما في ذلك زيادة معدلات الوفيات المرتبطة بالحرارة، ونمو عدد الأشخاص الذين يعانون انعداماً للأمن الغذائي. كما تكبد الاقتصاد العالمي خسائر فادحة نتيجة فقدان ساعات العمل، بينما تستمر الحكومات في ضخ مليارات الدولارات لدعم الوقود الأحفوري، وهو ما يزيد الفجوة بين الوعود والواقع على الأرض.
في هذا السياق، يمثل التمويل المناخي العادل حجر الزاوية لأي تقدم حقيقي. الدول الغنية، التي تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية التاريخية عن الانبعاثات، مطالبة بالوفاء بالتزاماتها المالية تجاه دول الجنوب، بما يشمل دعم مشاريع التخفيف والتكيف، وتمويل الخسائر والأضرار الناجمة عن الكوارث المناخية. غياب هذا التمويل أو تأخره يعمّق فجوة العدالة المناخية ويزيد هشاشة المجتمعات الأكثر عرضة للأزمات البيئية والاقتصادية.
الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يشكلان مثالاً حياً على الحاجة الملحة للعمل المناخي. المعدلات الحالية للاحتباس الحراري في المنطقة تقارب ضعف المتوسط العالمي، ما يزيد من ضغوط إدارة الموارد والمياه والطاقة والغذاء. ورغم الالتزامات السابقة في مؤتمرات مثل كوب 28، فإن تنفيذ الخطط التمويلية لا يزال محدوداً، كما أن العديد من الدول مستمرة في دعم مشاريع الوقود الأحفوري، ما يعكس عدم توازن بين الطموح السياسي والقدرة التنفيذية.
التحدي الأبرز أمام كوب 30 ليس مجرد تحديد أهداف جديدة، بل وضع آليات واضحة للتمويل والتنفيذ، مع ربطها بمحاسبة الدول والتزامها بالشفافية. من شأن اعتماد خطط محدّثة لعام 2035، تتوافق مع مسار 1.5 درجة مئوية، أن يشكل خطوة مهمة، لكن التحدي الأكبر يكمن في تحويل هذه الخطط إلى برامج عملية على الأرض، مع ضمان وصول التمويل إلى الدول والمجتمعات الأكثر حاجة إليه.
ختاماً، كوب 30 يمثل اختباراً حقيقياً لقدرة المجتمع الدولي على تحويل الالتزامات المناخية إلى واقع ملموس. إذا فشلت الدول في سد فجوة التمويل والتنفيذ، فإن السنوات القادمة ستشهد استمرار تدهور البيئة، تصاعد الكوارث الطبيعية، وتفاقم الأزمات الصحية والاقتصادية. النجاح الحقيقي للمؤتمر لن يقاس بالكلمات على الورق، بل بالنتائج الملموسة التي ستغير مسار الاحترار العالمي وتعيد التوازن للعدالة المناخية.