منذ أكثر من ثلاث سنوات تعيش العلاقات الموريتانية المغربية في أزمة دبلوماسية صامتة، حاولت حكومتا البلدين إبعادها عن أضواء الإعلام. إلى أن الفترة الأخيرة كسر فيها جدار الصمت من الجانب الموريتاني، لتخرج الأزمة من طابعها الدبلوماسي والسياسي وتمتد إلى المجال الاقتصادي.
أزمة تعكسها العديد من القرارات المفاجئة من الجانب الموريتاني، الذي تكونت لديه عقدة حيال المغرب تفاقمت مع الامتداد المغربي في العمق الإفريقي.
في هذا الإطار، صرح العمراني بوخبزة، خبير العلاقات الدولية أن تدهور العلاقات المغربية الموريتانية ليس وليد اللحظة، بل انطلق مع وصول محمد ولد عبد العزيز إلى السلطة، والطريقة التي جاء بها. والتي تتنافى والاختيارات المغربية التي تفضل التعامل مع دول تتبع الديمقراطية كمنهج لتسيير وتعمل على إرساء قواعدها. فالمغرب يعتمد في سياسة تعامله مع الدول الافريقية على الثقة، لأن المشروع المغربي ليس مشروعا عابرا بل يحتاج إلى حلفاء دائمين يثق بهم كالسنغال مثلا، وذلك نظرا للأفاق التي يتطلع إليها والتي تشمل العلاقات الاستراتيجية وغيرها. هذا الأمر حسب المحلل لم يرق موريتانيا مما دفعها لتغيير بوصلة اهتماماتها كليا تجاه الجزائر، وانساقت نحو ممارساتها المعادية للمغرب.
مضيفا أن الأمر أخرج الأزمة إلى العلن، وهو ما يؤكده مجموعة من الأحداث الأخيرة، والتي تعد سابقة في تاريخ ممارسات الحكام الموريتانيين، مشيرا إلى أن موريتانيا بنهجها هذا الأسلوب، تشعل فثيل أزمة غير مسبوقة، وقد تحترق بنارها لأن موريتانيا اليوم يضيف العمراني، غير مؤهلة لتجاري أية أزمة بالمنطقة.
ومن جهة أخرى أوضح المحلل أن أطراف عديدة لن تقبل بهذا الوضع المتشنج، وليس فقط المؤسسات المغربية، بل حتى المؤسسات الموازية التي ترفض تهديد أمن المنطقة، من خلال عدم استقراء موريتانيا لخطورة الوضع. مشيرا إلى أن كل ما تقوم به اليوم هو بإيعاز من الجزائر، لأنها لم تكن لتقم بكل هذه الخرجات غير المحسوبة، لو لم تكن يد خفية تدفعها لذلك، لأن حكام موريتانيا مسلوبي الإرادة، وغير راضين لعدم استفادتهم من سياسة المغرب في إفريقيا.
أزمة إقتصادية
انسياق موريتانيا وراء السياسة العدائية تجاه المغرب، جعلها تفتح جبهة الأزمات حتى على الصعيد الاقتصادي، حيث تداول أكثر من مصدر موريتاني خبرا يفيد بأن قيادة الجيش الموريتاني قررت نقل شبكة الاتصالات المغلقة الخاصة بها، من الشركة الموريتانية المغربية للاتصالات “موريتل” التي تملك شركة “اتصالات المغرب” 54 في المائة من رأسمالها إلى الشركة الموريتانية السودانية للاتصالات”شنقيتل”. وهو القرار الذي سيدخل حيز التنفيذ ابتداء من فاتح يناير القادم.
فمثل هذه المواقف ستكبد موريتانيا لا محالة خسائر عديدة، وتضيع عليها فرصة الانفتاح وتنويع الاستثمارات والتعاون بين البلدين، حيث اعتبر العمراني بوخبزة أن ماتقوم به موريتانيا لا يخدمها في شيء بل سينعكس عليها بشكل سلبي، مشيرا إلى كون هذه الأجواء المشحونة لم تعد حكرا على السياسة والتعاون الاقتصادي، بل طالت حتى المجال العلمي والثقافي حيث سجل خلال السنوات الأخيرة تراجع كبير في عدد الطلاب الموريتانيين المسجلين بالجامعات المغربية.
تهديد موريتاني
سياسة المغرب في تعاطيه مع ملف الصحراء وحتى انفتاحه على إفريقيا، باتت تزعج بشكل فعلي الجارة الموريتانية، التي هددت مؤخرا بفتح سفارة للجبهة بعاصمتها نواكشوط.
وحسب مصادر مقربة من الملف، فقد جاء هذا التهديد كرد فعل على ما اعتبرته موريتانيا استفزازا إعلاميا وسياسيا لها، حيث أفاد نفس المصدر أن دبلوماسيون موريتانيون يدفعون في هذا الاتجاه، داعمين فكرتهم بأن الدولة الموريتانية تعترف بالجمهورية الصحراوية منذ الثمانينات، وأن فتح سفارة للجمهورية الصحراوية يعد أمرا طبيعيا.
وقد تداولت بعض المواقع الموريتانية، أخبارا في نفس الاتجاه، أكدت فيها أن المغرب يقود حملة استفزازات دبلوماسية خطيرة ضد موريتانيا، مشيرة إلى سماح السلطات المغربية بدخول معارضين للنظام الموريتاني لأراضيها مؤخرا، مباشرة بعد إطلاقها مذكرة توقيف في حقهم، وكانت تقصد تحديدا المصطفى ولد إمام الشافعي، وحمادي ولد حمادي.
ومن جانب أخر اعتبرت موريتانيا أن حملة الاستفزازات لا تقف عند هذا الحد، بل شملت حتى الزيارات الملكية الأخيرة لمجموعة من الدول الإفريقية، وبالتعاطي الدبلوماسي مع موريتانيا بشأن المؤتمرات الدولية المنظمة في الأراضي المغربية، وما اعتبرته الإبلاغ المتأخر والمهين لها.
في هذا الإطار أوضح خبير العلاقات الدولية، أن مسألة التهميش والإقصاء، لا توجد إلا في عقل القيادة الموريتانية ولا وجود لذلك في سياسة المغرب، وخير دليل على ذلك أن المغرب بادر إلى فتح استثمارات بها قبل أن ينفتح على دول أخرى. مشيرا إلى أن تراجع الاهتمام ربما راجع لكون المغرب يبحث عن دول تعرف انتقالا ديمقراطيا وتنعم بالأمن والاستقرار بشكل أكبر.
أزمة الحدود
جبهة التصعيد عرفت خلال الأسابيع الأخيرة، ارتفاعا متواصلا حتى أن موريتانيا أقدمت على اتخاذ قرارات غير محسوبة، قد يكون لها العديد من التبعات السلبية، بعد تسليمها مجموعة من المناطق الحدودية التابعة لها للجبهة التي ستشرف على هذه النقاط. وستتكلف بالتأشير على جوازات السفر الخاصة بكل المواطنين العابرين لهذه المناطق في اتجاه موريتانيا أو القادمين إلى المغرب، كما سيتم بناء مراكز بها خاصة بهذا الشأن.
قرارات تفتح المجال أمام طرح العديد من التساؤلات حيال هذا الوضع الجديد غير المقبول، وكيفية التعامل معه؟ الخطوة التي تعتبر تطاولا على المغرب وعلى سيادته على كامل ترابه، وهي استفزازات، لمحاولة دفع المغرب إلى اتخاذ رد فعل تجاه مورتيانيا، من أجل إيجاد مبرر قانوني لرفض طلب المغرب الانضمام إلى الاتحاد الإفريقي، لذلك فهذه التصرفات وغيرها قد تتزايد مع قرب موعد القمة الإفريقية في يناير المقبل، بغاية جعل المغرب في موقع المنتهك لميثاق الاتحاد الإفريقي.