الإنجاز: عبد الرزاق أبوطاوس – م- أحمد إدريسي
إستهلال أول:
ساحة جامع الفناء: سؤال المدخل
لا تخطئ خلاصة أو تجانب حقيقة الإنحدار، الذي تستشف من المشهد الشامل الذي أضحت عليه ساحة جامع الفناء بمراكش، التي افتقدت إلى الكثير من خصوصياتها وخصائصها التي جعلتها دائمة التواجد والحضور ضمن الساحات الدولية، الغنية بتراثها، المنعشة لذاكرة التراث الإنساني العالمي، حيث لم يعد هناك مميز يخصصها باعتبارها فضاءا جامعا، غير حالة الإرتباك والإرباك اللذين يسيطران على حركية ما يدب فوق هذا الفضاء.
ما يعتمل بداخل الساحة من تشابك وتداخل، يصلان بأنشطة الساحة حد الإحتكار، خضم الفوضى ومظاهر الإحداثيات العشواء التي أستنبثت خلال السنوات الأخيرة، في ضرب واضح للتهيئة التي تدخل في سياق التصريح بها مجموعة منسجمة من الأنشطة المعبرة عن التنوع الحضاري والثقافي والإجتماعي للمملكة، والمكتملة بتأطير الإجراء التنظيمي للساحة الذي رعى في اعتماده حركية السير والجولان وتبادل الأدوار للأنشطة التي تحتضنها الساحة، بدلا عن واقع الراهن الذي يفصح على أنه نتاج تضارب المصالح، وتدافع المنفعة التي انتهت بساحة جامع الفناء إلى حالة فوضى أزمت حقيقيا من وضعية مستغلين باتوا على مرمى أنياب، بعدما هشمت الوجه التراثي للساحة، وتحويلها إلى فضاء تجاري، تسعى إلى الهيمنة وتدوير حقوق الإمتياز الذي متعت به إلى حق مكتسب، يمنح حق التشكيل للساحة تبعا لسعي الهيمنة الذي أظهر ما ينبثق عن قسم بيع المأكولات الذي تمدد على حساب أنشطة أخرى، كان حريا بالمحافظة على وجودها بالساحة باعتبارها تعبيرات أسست لاندماج اجتماعي تتقاطع ضمنه اهتمامات إعطاء الساحة البعد الثقافي الإنساني، بمختلف مكونات هذا البعد الشفاهية والمادية التي يدخل في إطارها المطبخ المغربي عموما، والمحلي بكيفية خاصة، والذي غذى الواجهة المعبرة عن الساحة، ومن تم استغلال ذلك، في محق الأنشطة الأخرى التي تمدد على حسابها. فما هي أبرز المياسم التي تعمل في واقع ساحة جامع الفناء الراهن، وتحولها إلى محضنة للريع والمنفعية، والتفقير لأصل الساحة؟
جامع الفناء: صالونات التضييع لتسمية ” الجلسة ” وتفقير أخرى مدرة بالساحة
حسب متتبعين مقربين من جمعيات المجتمع المدني بساحة جامع الفناء، أن هذا التمدد في المساحة لبعض” الجلسات المخصصة لبيع المأكولات”، والذي أدخل في نسيجه التوسعة ل ” الجلسات” كأحد أهم مؤشرات السيطرة على الساحة، التي لم تعد تتوفر فيها أنشطة أخرى بالكاد إلا على ” جلسة ” وجود، أننا إزاء وضع ينبئ بقرب إقبار ما تعرفه الساحة من حضور وتحرك لأنشطة بحكم الراهن، أشرفت على التهالك، حيث أصبحنا نتحدث عن ” صالونات ” وليس عن ” جلسات “.، كانت تتسم بتجاور مستجيب، ملتزم بضوابط الأقيسة في المساحة، والإستيعاب لرواد المأكولات، بحيث أصبحت هذه الصالونات وبالضرورة تتخذ هيئة ” المستطيل ” وليس ” المربع “، وهذا التحول في الشكل الهندسي ل ” الجلسة ” إلى جانب افتقار أخرى لمساحة التمدد ، والتي تظل محافظة على حجمها الأصيل/ الأول، يمثل أول التشوهات التي تمس في العمق والجوهر بناء الساحة الذي ظل يخضع إلى تحقيق التوازن بين المستغلين من تجار وباعة ضمنهم ” بائعو المأكولات “، الذين عبر التمديد، وتكوين صالونات يحدثون الشرخ بين الوظيفة والسلوك بفضاء مجمع جامع الفناء التجاري بكيفية أشمل، والمطعمي بكيفية أخص.
إحداث هذه الصالونات، وحسب ذات المتتبعين، وإن كان يتم بالتوافق، وأسلوب التراضي بين المتخلي عن ” الجلسة ” الممنوحة باعتبارها ” إمتيازا “، والمتصرف الجديد في استغلال قرارها، من خلال التنازل عنها، أو الكراء لها، من تداعياته الفورية، كما جاء في تدخل متضررين من هذه التوسعة للجلسات / الصالونات، التي بعد ضم مستغليها للمساحات المتخلى عنها من قبل الممنوحة لهم عن طريق التنازل أو الكراء، وتبلغ في أصل المنحة مساحة 4 / 4 م، إلى امتداد وتوسعة تبلغ مساحتها بالجمع والإلحاق لها مساحة 12 / 4 م، ما يخول استغلال مساحة أكبر، )من تداعياته الفورية( غياب تكافؤ الفرص بين العارضين لأصناف المطعم المحلي، وهي العملية التي يترتب عنها خروج ” الجلسات ” ذات المساحة الأصلية 4/ 4، عن المجال البصري للمرتاد على هذا الجناح من أنشطة الساحة، محتجبة في العرض، وبانعكاس ضعف المردودية من الرواج التجاري الذي يعرفه هذا الجناح، والتأثير في مدخول الفئة من المستغلين، التي تحتفظ بالمساحة الأصل 4 /4.
استحواذ من نتائجه المباشرة، التأثير في تنوع الممايز / المختلف للمعروض من المطبخ المحلي، حيث أصبحنا أمام عرض منتوج متعدد ب ” صالون ” واحد، يضم إليه مجموعة أطباق، كانت تشتغل بها وعليها فئات اجتماعية أخرى، التي وجدت أنفسها مضطرة إلى التخلي عن ” جلستها ” بالساحة، باعتبار ما أصبح يمثله استحواذ ” الصالون ” على نشاط اشتغاله من المادة الغذائية، من منافسة غير متكافئة إن على مستوى مجال العرض، الذي يعمل تقديمه على تلبية احتياجات رواد الجناح من المنتوج الغذائي، وحيث تظهر هذه العملية الترامي على نشاط نشطاء المأكولات الآخرين بالساحة، الذين انتفى وجود أنشطتهم بها ) الكتبيين – باعة البيض – أحشاء الغنائم ” باولو “- لطات السمك – الخبازات…(، والمحو الذي طال ما يعرف لدى أهل مراكش ” جامع الفناء الصغيرة” التي كانت تشغل المساحة القريبة من جامع ” خربوش”، المقابل للمقهى فرنسا، للفرجة، والتي كانت تحتضن نوعا فرجويا وسرديا خاص بالسير، في ما يظل الباقي يناضل من أجل الحفاظ والإبقاء على حضوره في الساحة بقصد “الذاكرة”، وفي مسعى إلى ترميم الأطلال المتبقية من زمن فسيفساء جامع الفناء الحضاري، ووشومها التي تأبى الإندثار وتخليف الفضاء إلى زوال الأصل، وانقضاض فوضى العشوائية التي تعبث بمركز المدينة مراكش، الرمز الذي يحيا على بقايا أمس تجملت فيه الساحة بوشاح المحافظة على التراث.
جامع الفناء: تحت السواري إعضال احتلال الملك العمومي
من ضمن أبرز معالم ما يفتت وحدة النظام بساحة جامع الفناء، الإحتلال البين للملك العمومي الذي بات أحد العلامات المساهمة في الإنسداد الذي يعرفه فضاء الساحة التي لا تهدأ بها حركية الرواج التجاري، وتحول زمنه إلى زمن شبه مفتوح لا يأتيه الإغلاق إلا لساعات محدودة، تلك التي تفصل اليوم عن الغد.
ففي عراك السلطات مع تحرير الملك العمومي بمختلف مناطق وجوده بالمدينة مراكش، يبقى هذا الإحتلال مزاولا بجامع الفناء، فبالإضافة إلى الفراشة الذين يتعرضون بين الفين والآخر إلى حملات تحييد وإبعاد عن الساحة، والذين لا يعوزهم غير الخضوع إلى نظامـ افتقارهم إليه يظهرهم محتلين للمكان، على اعتبار أن جامع الفناء مصدر دخل، ينبري في واجهة هذا الإحتلال ما يطلق عليه المشتغلون بجامع الفناء “تحت السور”، الذي يضم إليه محلات تجارية في المنتوجات السياحية ” ملابس- …”، تقوم في إطار عملية ترامي باجتزاء أمتار من الملك العمومي، وتحويله إلى فضاء عرض، ومقاهي تنصب طاولات مدارة بكراسيها على الأمتار المجتزأة من هذا الملك، الذي حري أن تقوم بحمايته جمعيات المجتمع المدني النشيطة بالساحة، والتي يبدي إغفالها قبل السلطات، باعتبارها شريكا في المحافظة على انسجام الساحة، نوعا من التخلي عن تحقيق مسؤولية الأهداف التي ينص عليها القانون التأسيسي أو الداخلي التي من أجلها وبدافع منها تأسست هذه الجمعيات، في أفق الحفاظ على نظامية الساحة التي تواجه العشوائية المغرقة في تحويل النظام إلى فوضى تعصف بالترتيب وتقوض مبدأ التكافؤ الذي انبنت عليه القرارات الجماعية في منح استغلال المساحات، والترخيص لمزاولة نشاط مدر معين بالساحة، حيث يمثل الإلتزام بمقررات القرار الجماعي على المستويين ضرورة، تجاوزهما يقيم تبرير إجراء إذعان المستغلين لما هو متضمن بهذه القرارات، و يضفي شرعية التدخل لتحرير الملك العمومي من السطوة الممارسة عليه، خصوصا إذا ما علم تأثير هذا الإحتلال على التجوال في مابين تحت السور وجلسات المأكولات الذي هيأ تقابلهما ممرا يسلكه العابرون في ما بينهما.
وبالإستناد إلى ذاكرة الساحة، أن فضاء “تحت السواري” التجاري، كان يشكل ممرا يتخذه الراجلون في التنقل بين المحلات الموجودة به، ومتنفسا يسم التجوال على هذا الجانب من الساحة بالتوازن على عهد احتضانها لباعة الكتب المستعملة، ومحطة المسافرين قبل انتقالها إلى باب دكالة، وبائعات الخبز “الخبازات” اللائي لم يعد منهن ماثلا للعيان غير بضع وجوه، بعدما كن يتخذن شريطا ممتدا على طول الأمتار التي يشغلها تحت السور، والمنتهي عند منعطف الولوج إلى سوق البهجة، والذي لم يكن داخله يشمل غير فئة ” الحلاقين”، في ما كانت المحلات العارضة للمنتوجات السياحية تستقر إن أسعف التحديد الجغرافي، غرب جامع الفناء الصغيرة.
انتقال هذا النشاط التجاري إلى تحت السور، وتجاوره مع حرفة الحلاقة، دون البحث في خلفيات ذلك السوسيولوجية والإقتصادية، التي حولت عديدا منها إلى محلات تجارية، ليس ما يعني هذه المتابعة، بقدر ما يعني السلوك الذي تنتهجه فئة التجار بهذا الموقع، التي تعمد في فعل يومي إلى السطو على الممر، وتقسيمه في ما بينها، بإقامة حاجز عبارة عن لفة ” قماش أو “إيزار”، يكون بمثابة فاصل بين المقتطع منه، الملحق بالمحل التجاري و الذي يجاوره، وتحميله بالبضاعة المتاجر فيها خارجا عن الأصل التجاري الذي يتحوز عليه، وهي الوضعية التي تفاقم ليس فقط إشكال السير والتجول بهذا المقطع من الساحة، وإنما الحد من قدرة الساحة على لعب أدوار المحافظة على التراث في سياق الترويج السياحي.
إستهلال ثان
جامع الفناء: مستنقع الأزمات بالساحة
ما الذي يجعل المتتبع لمآل ساحة جامع الفناء من الوقوف عند شروط الهدم والتهميش واستئصال خصوصياتها التراثية الغنية بالتنوع؟
بكل تأكيد، فإن المحاولات الصادرة عن الجهات المسئولة عن تدبير الساحة، وعمدت من خلالها إلى سياسة إغراق المدينة بالرخص لممارسة مهن وحرف، هي من اختصاص الساحة، علاوة على زخم هذه الساحة الذي يجعلها أحيانا مستعصية عن المراقبة، ما يؤدي بالتالي، إلى تناسخ سلوكات تجهض بريق الساحة، فتتحول هذه بفعل إكراهات مستهدفة وقادرة على خلق الفجوات المؤهلة لتحويل الساحة إلى بؤر للتوتر، ومحضنة للتمييع الأخلاقي، وممارسة ما هو محظور أخلاقيا وثقافيا واقتصاديا.
ساحة جامع الفناء، هي الملجأ الذي تأوي إليه شغيلة تتعيش على قدر ما تقدم من خدمات في مجالات الإطعام أو الترفيه، أو استحضار رأس المال الكبير للفنون الشعبية التي تحيا على جغرافية الساحة منذ القدم.
عطاءات الساحة، لا يمكن إنكارها، ومجهودات أصحابها من المشتغلين على اختلاف توجهاتهم لا يمكن طمسها، واستبدالها بنشاطات أخرى قد لا تصمد أمام زحف الهجومات الوافدة، التي تتحرك تحت مفهوم الريع، إذ لا يهمها أصلا إلا البحث عن موارد قد يكون من اليسير اكتسابها عن طريق التضييق عما يعتبر ملكا تاريخيا يحمل نكهة خاصة، نكهة الذوق السليم، والإبحار في دوامة تقديم خدمات تفقد خصوصياتها متى تعدت أسوار الساحة، لتستقر وبكثرة في هوامش محيطها ، بالمدينة.
ومن تم، من المحتم معالجة إخفاقات الساحة، وإخفاقات أصحابها، بإعادة الإعتبار لها وإلى جميع مكوناتها، ودرء كل ما يطعن في خصوصياتها، سواء في ميدان الفنون الشعبية بكل تفاصيلها، أو في العناية بالزبون، أو في أمن واستقرار الساحة، وحيث ها هنا، يبدو أن المجتمع المدني الذي تحتضنه الساحة، مطالب وبإلحاح كبيرإلى مضاعفة الجهود من أجل الرفع من مستوى الساحة، بإدماجها في المنظور التنظيمي الحديث الذي لا يستحيل عليها، بضرورة الحفاظ على خصوصياتها التاريخية الغنية بكل مشارب الحياة، فضلا على أن تمدين الساحة، لا يمكن ان يتم غلا بوجود المجتمع المدني في شكل جمعيات مهنية، قادرة على محاورة واقع الحال مع المسئولين، لطرد كل ما من شانه تلويث الفضاء التاريخي لساحة جامع الفناء، وذلك، بالنظر إليها، على أنها تراث مشترك بين كافة المواطنين، ما يحتم الحرص على أن تظل هذه الساحة عنوانا للتلاحم بينها وبين العاملين بها، في ظل حماية مشروطة بتقاسم المشتغلين بها لروح المسئولية، ولدينامية أصحابها المعول عليها في تطوير السياحة، انطلاقا من اكتساب مقدرات أخلاقية، ترفض الإساءة إلى السياحة وإلى السياح، وإلى المرتبطين بأرضية التمتع بأجواء قد لا تتكرر أبدا.
وإذا كانت السياحة صناعة مدرة بفضل مقدراتها ونتائجها المادية والمعنوية، فمن باب أولى وأحرى أن تمنح العناية اللازمة لذا الفضاء، فضلا، عن مزيد من الإهتمام بالعنصر البشري الذي يشكل دينامية متواصلة وفاعلة في جلب الرواد / الزائرين وطنيين كانوا أو أجانب، وهذا يقتضي أمورا من مثل تربيته وتوجيهه بمقاربة تراعي سلامة السياحة، كما تلح على عدم مضايقة العنصر البشري، بما يفضي إلى إجهاض المجهودات، وتأزيم المستوى المعيشي للعاملين بالمجال.
فلا سياحة، بدون عنصر بشري مؤهل عمليا ، قادر على حماية نفسه من معضلة التقوقع حول الذات، وامتهان الممارسات التي تلغي الآخر، ممن حوله من باقي مكونات خلايا العمل بالساحة، في إطار تشارك معنوي يلغي كل مظاهر الإعتداء على الجوار، ويرسم لممارسة تكاملية هدفها تقديم الجودة ، وتقدير العمل المقدم لسائح يعد مصدر عيش كل المشتغلين بالساحة ، وهذا لا يعني التعنث والإنصهار في دوامة استنزاف الساحة، ولا قابلية استصغار السائح باعتباره أولا وأخيرا آلة إشهار تعمل على تقديم الوجه الحقيقي للسياحة ببلادنا، ودون استحضار هذا العنصر ستظل السياحة بجامع الفناء مجرد قتل بطيء للمرتقب من الترويج السياحي.
ساحة جامع الفناء- راهن الوضعية: الرخص الإقتصادية
ضمن رؤيتين منسجمتا التطابق، أن ما يفعل في تزايد إستمرار التراجع الذي تعرفه ساحة جامع الغناء، ويذهب إلى التأشير على تأكيده، انخراط السلطات المحلية بمدينة مراكش على التفكير الجدي في استرجاع الوهج الثقافي والسو سيو / إقتصادي، على الأقل منذ العام 2006، من خلال تدخل إعادة ترتيب الأنشطة الإجتماعية المزاولة بالساحة، وتعيين مواقع وجود هذه الأنشطة المزاولة بها في حيز مكاني معين على عقارها، في أفق التوفر على مشروع حقيقي ينهض على الملائمة بين تقديم التأصيل للشخصية الوطنية في مستوياتها الإجتماعية والثقافية والإقتصادية، واستغلال المقدرات التجديدية الكفيلة بخدمة هذا التأصيل الهوياتي لساحة جامع الفناء.
الرؤية الأولى في هذا التراجع، كما تم استيقاؤها من مشتغلين بالساحة، تعود إلى المصاحبة المحتشمة من لدن المجلس الجماعي للمدينة مراكش، في الوقوف على تفعيل المقررات الجماعية المرتبطة بشأن الإلتزام بما تم التنصيص عليه في هذه المقررات التي على أساس منها تم منح امتياز الإنضمام إلى الساحة، باعتبار المستفيد عارضا للتراث الشفاهي أو المادي، أو المرتبط بتوفير الخدمات التي ذاتها تحمل نفحات تراثية، مثلا ” المطعمة الوطنية عموما “، إذ في ذات توجه الإحتشام، يطغى الحديث عن ” الجلسة الصالون ” التي ترتأى تجاوزا لمقررات المجلس الجماعي، والتي حسب إفادة مصدر مستفيد من أحد هذه القرارات، لا يمكن أن تتعد 4 / 4 م، وأن إحداث هذه ” الجلسة الصالون ” التي تصل مساحتها إلى 4/ 12، مخالف لما تم تقريره، وعبث، بالإضافة إلى كونه يشير إلى عدم تكافؤ الفرص، فإن المنافسة في أبعادها العادية تستحيل معه، حيث لم يعد الإعداد للمنتوج وتذوقه معيارا للجودة، وإنما التأثيث لهذه ” الجلسة / الصالون “، الذي يستغل المساحة المدمجة لعرض أصناف الأكل المحلي، وإن لم تكن مدرجة بالتسمية في نص المقرر الجماعي، في ما يمثل خروجا عن الحمولة التراثية لتسمية ” الجلسة “، التي تجمع في ما تجمعه إلى تراثيتها سلوكا اجتماعيا مترابط الدلالة حول معاني ” اللمة ” و ما تحمله هي الأخرى من معاني ” الإستئناس ” بالمكان والناس.
الرؤية الأخرى في هذا التراجع، ترجع بحسب نفس الإستقصاء للمعلومة، إلى الرخص الإقتصادية التي أغرقت سوق المنتوج المطعمي، وولدت منافسة قوية على هامش الساحة، بالمناطق الواقعة تحت النفوذ الترابي لمقاطعة مراكش المدينة، حيث يتم الحديث دون تأكيد للرقم، عن منح ما بين 600 و 700 رخصة، يأتي ذلك، في حالة ما إذا كان الرقم صحيحا، دون دراسة للتأثيرات الجانبية التي بإمكان هذه المنح أن تخلقها ليس فقط على المشتغلين بالساحة، وإنما حتى على النشيطين الضاربي الوجود على هذا المستوى على محيط ساحة جامع الفناء، إذ أن المشكل لا يغدو أن يكون في منح التراخيص، بقدر ما يرتبط ويهم جغرافيا ” الإنتشار ” التي يبدو أنها لم تعتمد على اللا تمركز في الإستغلال، الذي سيمكن إن عاجلا أو آجلا من إنعاش سوسيو/ اقتصادي باتجاهات مكانية أخرى، بيد أن اختيار التمركز بالساحة وعلى محيطها كحيز مكاني لإقامة البنية المادية لهذه المنح، يشكل مضاربة من شأنها الرفع من حدة المعاناة التنظيمية التي تعيش على تداعياتها ساحة جامع الفناء.
إستهلال ثالث:
هيكلة جامع الفناء: مسئولية ترفض الإنتظارية
عاشت ساحة جامع الفناء عقودا وهي تعاني من التغييب، رغم صدارتها للفعل السياحي بمدينة مراكش خصوصا، والمغرب عموما، حيث لم يشفع لها كونها قطبا سياحيا بامتياز، ولا اعتبارها قاطرة السياحة، ولا كونها تراثا إنسانيا عالميا، اعتمادا على ما تقدمه من غذاء للروح والعقل معا.
بكل تأكيد، فإنها ظلت تحتل درك الأولويات في كل برامج التهيئة المحلية والوطنية، تأسيسا على اعتبارية تلغي المنظور الحداثي، وتهميش كل رؤية إصلاحية تراهن على الرفع من المنتوج السياحي لهذا المجال.
لا مناص، في أن آليات الهدم الثقافي بكل تمفصلاته التي سجنت الفعل السياحي في قوقعة الفرجة ومظاهر التخلف، وتغييب سياسة تنظيمية فاعلة ومتفاعلة مع الحاجيات، ومستقطبة لدلالات اللا تحرك وجهة التحديث، وتشجيع النظرة الدونية، تحقيرا لدورها التاريخي/ الحضاري، باعتبارها سجلا للإبداع ومئلا لاستحضار تاريخ المدينة في جوانبه المضيئة والمشرفة، ذلك، أنه تحت فهم وممارسة مهينة لهذا المجال، لم يتسن للمسئولين من قبل سواء الجماعيين أو ممثلي السلطة الإدارية، أو موظفي الوزارة الوصية على القطاع، تقديم مشاريع جديةن ترفع من دور الساحةن وتعيد الإعتبار للمشتغلين بها، وتجعل السائح يتناغم مع الساحة بخطوات إيجابية، يغيب معها النصب والإحتيال، وتكريس كارثية وسوداوية واقع الساحة.
ما يوقر سمع السائح، وما يحجب الحقيقة وراء أدخنتها التي تخفي ضبابا وراءه مآسي صحية، وما تزخر به من أخلاقيات مرفوضة، وفوضى متواترة، يكشف عن القصدية في إغماط الساحة حقها.
بصيص من أمل بدا يشع، من خلال الرؤية التي يروج أن الولاية مقبلة على إحداث تغييرات بهذه الساحة، بما يتناغم والرغبة في تغيير الجامد، وتحريك الراكد.