تاريخ البشر مثخن بالحروب المدمرة، وسعيا لجعلها أكثر حسما واستئصالا للعدو وظف البشر قدراتهم الابداعية لتطوير أسلحتها. وتعج ترسانة الأسلحة المطورة بأشدها فتكا، حتى أن امتلاك السلاح النووي يعطي الامتياز لممتلكها في موازين القوى العالمية.
ولعل أخطر تطور عرفته حرب الروس على أوكرانيا، التهديد باستعمال السلاح النووي بوضع قوات الردع النووي في حالة تأهب إذا تعرضت روسيا أو مصالحها للخطر. وزاد القلق بشكل غير مسبوق لما تجاوب الغرب مع التهديدات الروسية بإعلان تأهبه النووي أيضا.
وبعد أن نفذ فلاديمير بوتين تهديده بغزو اوكرانيا تحت استنكار المنتظم الدولي، ومع استحضار كون أكبر خمس تفجيرات نووية نفذتها روسيا (وريث الاتحاد السوفياتي السابق)، يصبح السؤال الذي يؤرق البشرية اليوم ما إذا كان بوين سيفعلها مرة أخرى؟
وحسب “الجزيرة نت”، أجرى الاتحاد السوفياتي السابق أول تجربة تفجيرية نووية له في 29 أغسطس/آب عام 1949، أي بعد 4 سنوات من تفجير القنبلة الذرية الأميركية ضد اليابان في الحرب العالمية الثانية. ومنذ ذلك الحين نما المخزون السوفياتي من السلاح النووي بسرعة، وبلغ ذروته في عام 1986 بنحو 40 ألف سلاح نووي، وفي أثناء تلك الفترة طوّر الاتحاد السوفياتي أكبر القنابل في التاريخ.
قيصر الاتحاد السوفياتي
لا شك أن أهم تلك القنابل وأكثرها شهرة قنبلة القيصر (Tsar Bomba) أو قنبلة إيفان الكبير كما يسميها الروس، وهي قنبلة هيدروجينية ذات 3 مراحل، في الأولى منها تم تفجير قنبلة نووية عادية لتوليد الحرارة الهائلة التي يتطلبها تحفيز الاندماج النووي لنظائر الهيدروجين في المرحلتين التاليتين. وأدت هذه القنبلة إلى قوة هائلة قدّرت بأكثر من 50 ميغا طن.
في السلاح النووي، يُقدّر حجم الطاقة الخارجة بالكمية المقابلة من مادة “ثلاثي نترو التولوين” (TNT) (تي إن تي) التي ستولد الكمية نفسها من الطاقة عندما تنفجر. ومن ثم، فإن السلاح النووي الذي يعطي كيلوطنا واحدا هو السلاح الذي ينتج كمية الطاقة نفسها في انفجار كيلوطن (ألف طن) من مادة “تي إن تي”.
وبالمثل، فإن السلاح الذي تبلغ قوته ميغا طن سيكون له طاقة تعادل تفجير مليون طن من مادة تي إن تي، وذلك يعني أن قنبلة القيصر أعطت طاقة تساوي أكثر من تفجير 50 مليون طن من هذه المادة.
ولفهم الأثر الهائل لتلك القنبلة يكفيك أن تعرف أن القنبلة اليدوية الشهيرة في الحروب، التي تظهر في كثير من الأفلام، تحتوي فقط على ما مقداره 50-60 غراما من ثلاثي نترو التولوين.
نتائج هذه التجربة النووية، التي أجريت في صباح يوم 30 أكتوبر/تشرين الأول عام 1961 بمنطقة نوفايا زمليا، وهو أرخبيل يقع في المحيط المتجمد الشمالي في شمال روسيا، كانت مذهلة ومخيفة جدا في الوقت نفسه، حيث بلغ ارتفاع السحابة الناتجة عن الانفجار 64 كيلومترا في السماء، وبلغ عرضها 40 كيلومترا، وشوهد الانفجار على مسافة ألف كيلومتر.
4 كوارث أخرى
أما في الفترة الواقعة بين الخامس من أغسطس/آب إلى 27 سبتمبر/أيلول من عام 1962، فقد أجرى الاتحاد السوفياتي سلسلة من 3 تجارب للأسلحة النووية، في المنطقة نفسها التي انطلقت فيها “القيصر”، وسميت التجارب رقم 173 و174 و147، وأنتج كل من هذه الانفجارات الثلاثة قوة مقدارها 20 ميغا طن.
وتعدّ هذه القنابل الخمس؛ القيصر ثم الاختبار رقم 219 ثم الاختبارات الثلاثة 173 و174 و147، أقوى انفجارات نووية في تاريخ البشرية، ويكفيك أن تعرف أن الطاقة الناتجة من انفجاري هيروشيما وناغازاكي قدّرت بنحو 15إلى 20 ألف طن فقط.
أميركا في المركز الثاني
أما التجربة الأميركية “كاسل برافو” (Castle Bravo)، فقد أجريت في حلقية بيكيني، وهي عبارة عن شعب حلقي في جزر المارشال في المحيط الهادي، تم تفجير القنبلة في 28 فبراير/شباط 1954، وكانت أكبر انفجار نووي أميركي على الإطلاق.
وأنتجت هذه القنبلة انفجارا انشطاريا بقوة 15 ميغا طن، وهي أكبر قنبلة نووية تم تفجيرها في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، تلتها بعد ذلك “كاسل يانكي” (Castle Yankee)، التي تم تفجيرها في الخامس من مايو/أيار 1954 في الموضع نفسه، وأصدرت طاقة تعادل 13.5 ميغا طن.
يعمل كل من الاندماج النووي والانشطار النووي بمبدأ واحد، هو تحويل قدر يسير جدا من المادة إلى قدر هائل جدا من الطاقة، حسب نظرية أينشتاين النسبية الشهيرة، وينتج ما يقرب من 85% من طاقة السلاح النووي انفجارا صدميا وطاقة حرارية، أما الـ15% فتنطلق كإشعاع نووي قاتل، يمتد أثره على مدار سنوات بعد التفجير.
القنبلة النووية خطر محدق في وجه البشرية، ولا يمكن لأي دولة في العالم كله تحمل الخسائر الناتجة عن تفجير نووي واحد، فما بالك بحرب كاملة!