حين يتم الحديث عن نظرية النسبية تذهب أذهاننا إلى الأجرام السماوية والأجسام التي تسير بسرعة عالية جدا، ونستحضر أسماء نظريات معقدة وأسماء مشاهير العلماء، وقد يطلع الواحد على شرح للنظرية ويظل مفهوم تمدد الزمن، مثلا، مشوشا لديه، لأنه يظل يسبح في الفضاء البعيد.
لكن هل تعلم أن هناك عددا من الأشياء من حولنا نتعامل مع بعضها بشكل يومي تقريبا، تنطبق عليها نظرية النسبية أيضا؟ ولا يكون من داع لاختراع قصص نموذجية مادامت النظرية تفعل فعلها فيما نباشره يوميا.
فكيف تؤثر النظرية على الأشياء من حولنا؟ إليك 6 أشياء تفسر كيف تؤثر النظرية في الحياة حولنا، حسب الجزيرة نت.
وحسب نفس المصدر، أحدثت النظرية التي طورها ألبرت آينشتاين بداية القرن الماضي ثورة في الفيزياء بإدخالها جملة من المفاهيم الجديدة مثل تكافؤ الطاقة والكتلة، والفضاء مكون من أبعاد المكان الثلاثة مع بعد رابع هو الزمن، وتأكيدها أن سرعة الضوء ثابتة ولا يمكن تجاوزها أبدا.
وانجر عن النسبية ظواهر مدهشة وغير معروفة في الفيزياء التقليدية مثل تمدد الزمن وتقلص المسافات بالنسبة للأجسام التي تسير بسرعة عالية جدا، وهي ظواهر تؤثر في العديد من الأشياء من حولنا.
نظام تحديد المواقع
يمكن للهواتف الذكية المتداولة اليوم الوصول إلى نظام تحديد المواقع العالمي عبر الأقمار الصناعية، وتستخدم السيارات الحديثة هذا النظام لتحديد مساراتها ومواقعها. وإذا رغبت في تحديد خط سير جديد إلى وجهة معينة على سبيل المثال، يحتاج هاتفك أو سيارتك إلى الاتصال بقمر صناعي لمعرفة مكان “الموقع الحالي” بشكل دقيق.
وبما أن الأقمار الصناعية تدور حول الأرض بسرعة تبلغ حوالي 10 آلاف كيلومتر في الساعة (أي واحد على الألف من سرعة الضوء) فهي تقع تحت طائلة تأثير النسبية المتمثل في التمدد الزمني على متنها ليصبح أبطأ من الزمن على الأرض بحوالي 7 ميكروثانية كل يوم، وفق تقرير نشر على موقع “لايف ساينس” (LiveScience).
ورغم أن هذا الفارق في الزمن قصير جدا فإن تأثيره كبير في تحديد المواقع. فإذا أهملنا هذا الفارق ليوم واحد فقط، فإن نظام تحديد المواقع عندما يشير إلى أن المسافة التي تفصلك عن أقرب محطة للبنزين توجد على بعد 800 متر على سبيل المثال، فإنها ستكون في الواقع على بعد 8 كيلومترات. لحسن الحظ، تمت برمجة الأقمار الصناعية بحيث تأخذ هذه التأثيرات في الاعتبار عند التخطيط لمسارك.
بدون النسبية الذهب يكون فضيا
كما نعلم فإن للذهب لونا أصفر لامعا مميزا. لكن من المدهش أن هذا اللون من المفروض أن يكون فضيا لو أهملنا تأثير قوانين النسبية على هذا المعدن النفيس. كيف ذلك؟
يمكن تفسير هذا التناقض من خلال فحص كيفية تحرك الإلكترونات في ذرات الذهب، التي تحتوي كل واحدة منها على 79 إلكترونا تدور حول نواة بها 79 بروتونا. وفي المدار الأقرب إلى النواة، تتحرك الإلكترونات ذات الشحنة السالبة بسرعة مذهلة، تبلغ حوالي نصف سرعة الضوء لتجنب “السقوط” على النواة الحاملة للشحنة الموجبة.
وهذه السرعة تولد تأثيرات نسبية تهم خاصة المسافات الفاصلة بين هذه المدارات فتصبح أقصر. كما تؤثر على ترددات الطيف الضوئي الذي تمتصه الإكترونات عند “القفز” من مدار لآخر. لذلك تمتص ذرة الذهب اللون الأزرق بدلا من الأشعة فوق البنفسجية مثل أغلب الفلزات، ويكتسب الذهب اللون الأصفر بدلا من الفضي.
ولا يتوقف تأثير نظرية النسبية على لون الذهب فحسب، بل تؤثر كذلك على قدرته على التفاعل مع المواد الأخرى. فالمدار الخارجي لذرة الذهب يحتوي على إلكترون واحد وفقا للنموذج المبسط للذرة.
وبحسب الكيمياء والفيزياء الكلاسيكية، فإن هذا يجعله شديد التفاعل، لكنه عكس ذلك تماما في الواقع. والسبب يعود إلى أن ذرة الذهب ثقيلة، لذلك تقترب الإلكترونات من النواة وتكون أقل عرضة للتأثر بالذرات الأخرى.
المغناطيس الكهربائي ممكن بفضل النسبية
من المعروف أن بعض المعادن فقط، مثل الحديد، تكون ممغنطة بشكل طبيعي. لكن من الممكن إنشاء مغناطيس من أي معدن عن طريق تحويله إلى ملف من الأسلاك وتشغيل تيار كهربائي من خلاله. وتمتلك هذه المعادن المكهربة خاصية غريبة: فهي لا تؤثر مغناطيسيا سوى على الأشياء التي تتحرك وليس لها أي تأثير على الأشياء الثابتة. وهذه الظاهرة غير ممكنة دون قوانين النسبية الخاصة.
داخل هذه المعادن، يتشكل التيار الكهربائي عبر تدفق الإلكترونات الحرة (ذات شحنة سالبة) عبر شبكة من البروتونات الثابتة (ذات شحنة الموجبة). فإذا وضعنا جسما مشحونا ساكنا بجوار مغناطيس كهربائي، فلن يحدث له شيء رغم حركة الإلكترونات المتدفقة، لأن المعدن ككل سيظل محايدا كهربيا.
ومع ذلك، إذا تحرك هذا الجسم المشحون بجانب السلك، فإنه “سيشعر” بآثار تقلص الطول بالنسبة للإلكترونات المتحركة. وهذا يعني أن كثافة البروتونات الثابتة تصبح أكبر من الإلكترونات المتدفقة وتصبح شحنة المعدن موجبة، مما يتسبب في انجذاب الجسم أو صده
النسبية في التلفزيونات القديمة أيضا
قد تكون أجهزة التلفزيون القديمة في طريقها إلى الاندثار، ولكن المعدات الموجودة بداخلها لا تزال شائعة الاستخدام اليوم. تم تجهيز أجهزة التلفاز القديم قبل اختراع شاشات البلازما، بأداة تسمى الأنبوب الكاثودي. يسرع هذا الجهاز الإلكترونات ويطلقها خلف شاشة بها طلاء يضيء عند اصطدام الإلكترونات به. والنتيجة تكون صورة جميلة على الشاشة يمكن للمشاهد الاستمتاع بها.
ومع ذلك، فإن الأمر يكون أكثر دقة وتعقيدا، إذ يتعين توجيه الإلكترونات سالبة الشحنة إلى النقطة الصحيحة على الشاشة باستخدام الشحنة الموجبة للمغناطيس حتى يتمكن المشاهدون من مشاهدة صورة مثالية.
تتحرك هذه الإلكترونات، وفق تقرير نشر على موقع “آي إف إل ساينس” (Iflscience) بمعدل ثلث سرعة الضوء تقريبا، مما يعني أنه كان على المهندسين مراعاة انكماش الطول الذي يحدث تحت تأثير قوانين النسبية، عند تصميم المغناطيسات التي توجه الإلكترونات داخل الأنبوب لتكوين صورة على الشاشة.
الزئبق سائل بفضل النسبية
من المعروف أن الزئبق، المستخدم في صنع مقياس الحرارة، هو المعدن الوحيد الذي يوجد في حالة سائلة بالطبيعة، وهو ما يثير التساؤل عن السبب وراء ذلك. إنها قوانين النسبية مرة أخرى بحسب مقال موقع “كيمستري ورلد” (chemistryworld).
فذرة الزئبق ثقيلة مثل ذرة الذهب، لذلك تنجذب الإلكترونات بالقرب من النواة ويكون لها بالتالي سرعة وكتلة أكبر مما هو متوقع، مما يعني أن الروابط بين الذرات ضعيفة بما يكفي لأن يكون لدى الزئبق نقطة انصهار منخفضة عن المعادن الأخرى، ويوجد في حالة سائلة على الأرض.
ضوء الشمس
بدون معادلة آينشتاين الأكثر شهرة، حول تكافؤ الكتلة والطاقة، لن يكون بإمكان الشمس وبقية النجوم أن تضيء في السماء. في مركز نجمنا الأم، يؤدي الضغط الهائل ودرجات الحرارة الشديدة إلى دمج 4 ذرات هيدروجين منفصلة في ذرة هيليوم واحدة.
لكن كتلة ذرة الهيليوم تكون أقل بقليل من كتلة 4 ذرات الهيدروجين. ما الذي حدث للكتلة الزائدة؟ لقد تم تحويلها إلى طاقة طبقا لقوانين النسبية، لتظهر كضوء للشمس يجعل الحياة ممكنة على كوكبنا.