خديجة الكور
أصبحت العلاقات التي تربط الشباب بمؤسسة الشرطة، موسومة، في السنوات الأخيرة ،بكثير من الصدامات والتوتُّر،وحتى المواجهات، التي تتناقلها،وتتهافتُ عليها مواقع التواصل الفايسبوكي عند وقوع أي حادث، بين فئة من الشباب وعناصر من الشرطة، لكن المضامين، التي يتم الترويج لها، تُؤَشِّر عن وجود أزمة ثقة وبوادر حقد
قد يُنسف، في العمق، الجهود التي تبذلها المؤسسات الأمنية للحفاظ على الأمن ، والسهر على حماية الحقوق والحريات، وجعْل المؤسسة الأمنية في خدمة المواطن.
تتطلب هذه الظاهرة التَّوقُّف عندها، ليس من خلال مقال صحفي، أو من خلال ردود أفعال حول أحداث ومواقف، بل من خلال دراسة معمَّقة تحاول مقاربةَ ،أو ملامَسة هذه العلاقة من زاوية تمثُّلات وتصورات الشرطة للشباب، وطُرق تدبير العلاقات بينهما، ومواقع ومواطِن التصادم والتَّمَاس، وأسبابها والوقوف، من جانب آخر، على تمثلات الشباب للشرطة ووظائفها ومهامها، وعلاقتهم بالمؤسسة الأمنية؛ وكذلك عن أسباب الصدامات ، وُصُولاً إلى بلورة مقاربة جديدة للتعاطي مع قضايا الشباب التي أصبحت تتخذ مناحي ومظاهر جديدة، من قبيل العنف الجماعي، الذي أصبح يتخذ أشكالا ذات خطورة ، في الملاعب الرياضية؛ وأيضا العنف الإلكتروني بكل أشكاله وتجلِّياته، من خلال الاعتماد على مواقع ومنصّات التواصل المتعددة الأشكال والتوجُّات والأهداف.. لرصد الظواهر والتفاعل معها، ممّا سيمكن من تفادي أيّ صدامات كثيرا ما تنتهي بزَجِّ الشباب في السجون، بتهمة عدم احترام موظف أثناء أداء مهامه، أو الاعتداء على رجال الأمن من خلال عنف لفْظي أو جسدي.
الملاحَظ أنه كثيرا ما تصدر هذه الخروقات من جانب الشباب، بسبب وجود عطب وخلل في التمثُّلات، ونقص في الثقافة القانونية، وعدم معرفة أو التمييز بين الحق والواجب ، الشيء الذي يتطلب من المؤسسة الأمنية إحداث مرصد للبحث لتتَبُّع الظواهر الأمنية في شقها الاجتماعي؛ ويتطلب من كل المؤسسات، التي تُعنى وتهتم بقضايا الشباب، تطوير الدراسات والأبحاث التي تساعد على دراسة وتحليل تمثُّلات الشباب وسلوكاتهم، وأيضا فهْم وإدراك علاقتهم بمختلف مؤسسات الدولة، وأسباب تفشِّي مظاهر وظواهر العنف، وانعدام الثقة، وانسداد الأفق، بالعمل على بلورة الاستراتيجيات التي تسمح بالتعاطي والتعامل مع هذه الظواهر بمقاربة استشرافية ووقائية، بما يضمن الاستثمار الأمثل لهذه الطاقة البشرية الهائلة، الضرورية لتنمية الوطن وضمان تقَدُّمه ،عوض الزَّجِّ بأعداد كثيرة منها وراء القضبان، بسبب سوء فهم وغياب تفاهم أو تفاعل، إلى جانب غياب تدبيرنا لحوار الأجيال.
في هذا السياق، نحن في أمس الحاجة لتدارك الاختلالات المسجلة على مستوى منظومة القيم، وفَهْمنا وتصورنا للمواطنة، وإلى إطلاق مبادرات من أجل ضمان مصالحة الشباب مع نفسه ،ثم مع مختلف المؤسسات التي لم تعد تحظى بثقته، والرفع من مستوى ثقافته أو معرفته القانونية، وتعزيز روح المواطنة، وتدارُك الهفوات والاضطرابات المسجَّلَة على مستوى السلوكات التي غالبا ما تكون سببا في الصدامات والاصطدامات؛ وهذا الأمر يتطلب، أيضا، تطوير آليات الرعاية النفسية المواكِبة للشباب؛ كما أننا في حاجة إلى إطلاق مبادرات نوعية في المؤسسات التعليمية، للتعريف بأدوار ووظائف الشرطة داخل المجتمع، بما يساعد على بناء علاقات تسُودها الثقة والاحترام المتبادل، وبالتالي قطْع الطريق أمام حالات وظاهر التوتر التي تقع في أحداث معينة.
لمعالجة هذا الوضع، الذي ينجم عنه سوء الْفَهم، فإن الأمر يقتضي تطوير استراتيجيات جديدة للمساهمة في تجسير الثقة، وِفق حملات تواصلية، ذات بُعد تحسيسي وتوْعَوِي، من شأنه أن يحقِّقق الرسالة المنتظرة في أهمية طبيعة وأبعاد الحملة الأمنية التي سيتم تفعيلها، والمتعلقة، على سبيل المثال، بحملة مراقبة تتبيث الخوذات بالنسبة لمستعلمي الدراجات النارية، أو تمرير حملات إشهارية تواصلية بالإعلام العمومي والرقمي، ومواقع التواصل الاجتماعي، برسائل واضحة تصحّح السلوكات الخاطئة، وسوء الفهم، عن طبيعة وأهداف هذه الحملات التي تستهدف مستعملي الدراجات بدون خوذة، مع تفسير وتوضيح أن غايتها لا تنحصر في تصَيُّد الأخطاء و مَلْء الخزينة بالغرامات والعقوبات كما يعتبرها العديد من المواطنين و الشباب على الخصوص.
الواقع أن إعلام الرأي العام والمواطنين، ومستعملي الدارجات النارية، بهدف المديرية العامة للأمن الوطني، الشروع بحملة على ضرورة استعمال الخوذة، من شأنه أن يجعل الْأُسر أكثر تشديدا وتشدُّداً على أبناءها، بضرورة انخراطهم في التجاوب مع رسالة الحملة التي تسعى إلى تحقيقها المديرية العامة للأمن الوطني، مما يساهم في حماية الشخص، وكذلك في ترسيخ ثقافة سلوك الأسرة والمجتمع، وتجويد السلوكات والممارسات، مما يساهم في إرساء سياسة تواصلية جديدة، من شأنها تقوية جسور الثقة.