مصطلح حقوق الإنسان في الخطاب الأمريكي، يتحدد مدلوله وفق منظور براغماتي يراعي المصالح الكبرى لبلاد العم سام، ودون ذلك، يعتبر تجاوزا لهذه الحقوق مادامت لا تتناغم مع خدمة الإستراتيجية الأمريكية القائمة على التوسع، والتنظير لتازيم واقع الشعوب، ومصادرة حقها في الفهم الواعي لشروط ممارسة حقوق الإنسان بالطريقة المتفق عليها كونيا، حيث يشكل مبدأ المخالفة، القاعدة الأساس التي يقوم عليها الفهم المغلوط لإشكالية حقوق الإنسان لدى أجهزة القرار الأمريكي.
وعن طريق مبدإ التنافي بين الفهم الحقيقي لدلالة المصطلح، والفهم المغلوط المروج له إعلاميا في الوسائط الأمريكية، تضيع الحقيقة، وتبرز التناقضات المسهمة في التصعيد بين أمريكا والمغرب، اعتمادا على خاصية اتهام بعض الدول بمخالفة الحقوق الكونية المتعارف عليها دوليا.
نموذج صارخ يشي بالقصدية المبيتة لأمريكا في تداول وتكريس المفاهيم المغلوطة، بالتقارير التي تصدرها المؤسسات الأمريكية ذات الإختصاص في الشأن الحقوقي، ومن يدورون في فلكها حول انتكاسة رزنامة الحقوق في بعض الدول، عندما قلبت الولايات المتحدة ظهر المجن للمغرب: الصديق التاريخي والإستراتيجي، فانكشف الوجه الحقيقي لسياستها التي تتغيا شيطنة ومعاكسة تطلعات المغرب في مسألة وحدته الترابية..
وقد شكل التتبع الإستخباراتي لأمريكا، نهجا يغاير طموحات المغاربة، فاختارت الإصطفاف إلى جانب أعداء الوحدة الترابية للمغرب، والدفاع عن أطروحاتهم ، واستثمار مزاعم غياب التطبيق الفعلي لتلك الحقوق التي أعلن المغرب استعداده لتبنيها، بل وفتح من أجل ذلك كافة الأبواب ليتمكن الملاحظون من تتبع مسارات هذه الحقوق، عكس من يدعون إلى الإنفصال ويشجعونه.
وقد انخرطت الولايات المتحدة وعن وعي في لعبة قذرة، مكشوفة الغايات والمرامي اتجاه الشعب المغربي الذي اعتقدت أنه مهيأ لتقبل ما يفرض عليه من أفكار، وبالتالي، تقبل فرضية الدخول في حرب “دانكيشوطية” منية على وهم التمزيق والتشرذم التي لن يتقبل المغاربة نتائجها إلا إذا كانت محققة للوحدة الترابية.
وقد اتضح أن رياح التغيير والتغرير التي هبت على بعض المناطق العربية، حدثت بفعل إرادة شعبية، غير أن واقع الحال أبان أن ما حدث لم يكن ليقع لولا تدخل القوات العظمى عن طريق تجييش جمعيات ممولة ساهمت في تحويل غضبة الشعوب إلى أجندة حققت الهيمنة، وتقزيم الشعوب وفق استراتيجية استغلت غضب الجماهير، وتحويلها إلى قلاقل انتهت بتحييد زعامات مقلقة لأمريكا، ثم خلق دويلات على المقاس الطائفي والإثني، باستنباث دويلات فاشلة تعتمد على المساعدات الأجنبية الخارجية، في تدوير الأزمة الإقتصادية، وفي مواجهة غضب الشعوب، مما ينمي افتقارها إلى مؤهلات السيادة بغاية مركزية، هي إضعاف المنطقة وتهييئ المهاد الإسرائيلي في المنطقة.
اللافت للنظر، أن قضية حقوق الإنسان بالمغرب شكلت الحجة المبيتة التي تستثمرها أمريكا لغاية تنفيذ برنامجها التقسيمي بخلق دويلة وهمية تناهض مسار التطور الذي يعرفه المغرب، باستغلال بعض التجاوزات على الصعيد الحقوقي التي تكتسي صورة الفرادة، ولا تعبر عن الإتجاه المؤسساتي للدولة، والتي تتخذ في مرتكبيها ما ينص عليه القانون للجم مثل هذه الإنزلاقات التي تذكي نار النيل من سمعة المغرب,
وقد استطاعت بعض التقارير الأمريكية المحبوكة على المقاس تلويث وتسميم العلاقة التاريخية التي تجمعها والمملكة المغربية، باستغلال بليد يعتمد على تقارير سطحية مترى عليها في الغالب، ولا تصمد أمام الأحداث والوفائع، الشيء الذي تنظر إليه أمريكا بعين الرضا، بناءا على تقارير صادمة ومفبركة، وبناءا أيضا، على مواقف مجانية فاقدة للإحساس بالمسؤولية، في محاولة مفضوحة لتمرير خطابات التشهير ضد المغرب، بتصريف مزاعيم وأضاليل من وحي واستيهامات مخابرات فقدت ظلها في لائحة النمذجة العالمية في مجالات الإنجازات والسبق الأمني الإستخباراتي الرصين، جراء استقاء المعلومة المغلوطة أو إنجاز سيناريوهات عبر توظيف أعداء المغرب المجندين من طرف المعادين لسيادته على صحرائه.
قد يكون مقبولا من أمريكا الدفاع عن حقوق الانسان، من خلال تفعيل المنظومة الحقوقية الكونية، بداية من الترويج لها في محيطها الإجتماعي، وفي تعاملها مع مكون “السود” الذي يشكل نسبة محترمة في الكتلة البشرية الأمريكية، أما أن تواجه السود بالقتل والإغتيال وإشاعة وسائل القمع المحظورة دوليا، وإطلاق يد العناصر الممتطرفة في مجتمعها للنيل من مكون أمريكي، قد يكون أسبق وجودا في القارة الأمريكية، جنبا إلى جنب مع الهنود الحمر الذين تعرضوا لحرب إبادة ممنهجة من قبل البيض الوافدين عليها أثناء تشكل الدولة في عهودها الحديثة، الشيء الذي ما لا يستسيغه المنطق، ويفضح بالتالي، انتقائية النظام الأمريكي في تطبيق مرتكزات هذه الحقوق بالشكل المنصوص عليه في المواثيق والعهود الدولية، مما يكشف عن التوجهات السلبية لأمريكا اتجاه الإشتغال على ملفات حقوق الإنسان، وجعل سعيها الحثيث لرصد هذه الحقوق في أجزاء العالم، مجرد وهم يبيح التدخل في الشئون الداخلية لدول بدأت تتحرر من الطوق الأمريكي المتحكم في مساراتها.
من خلال الفهم المغلوط لتداول حقوق الإنسان، ارتكبت أمريكا تجاوزات خطيرة في العراق وليبيا ومصر، وفي هذا النسق أيضا مارست أجهزتها الدفاع عن هذه الحقوق برؤية ارتدادية مقلوبة تجافي مقتضيات القوانين الكونية، من خلال ممارسات عقابية مهينة وحاطة بكرامة الإنسان، في سجن أبوغريب بالعراق وغوانتانامو بكوبا حين أطلقت أيدي زبانيتها للعبث بالقيم الإنسانية، بأشكال وتصرفات يرفضها العقل ويمجها التحضر، وبنفس المواقف المخجلة وبنفس النتائج المذلة لتلك الحقوق، تشن أمريكا حملة مضللة وضالة اتجاه المغرب، في محاولة لتفكيك آليات الأفخاخ التي توهمتها ضدا على حقوق الإنسان بالمغرب، اعتمادا على تقارير اعتباطية داخلية وخارجية، تتخذ من الحالات الفردية المعزولة مرتكزها في النيل من سيادة المغرب، وهي تدرك أنها تخوض في لعبة سرعان ما تكشف عن قصدية ترمي إلى تشويه المغرب.
ولعل الأمر الذي حدا بأمريكا إلى التصعيد في مسألة حقوق الإنسان بالمغرب، يكمن في قلقها وتخوفها من تحول المغرب إلى انتهاج سياسة “الندية” في التعامل مع القوى الكبرى، بالإنفتاح على أفريقيا، وتأثيره في التوجه الجمعي الحديث لدولها، وخلق دينلمية خلق اقتصاد تشاركي تلغي هيمنة القوى الأجنبية المثخمة باستغلال خيراتها، إضافة إلى توجه المغرب العربي/ الإسلامي صوب الخليج لغاية بناء قوة عربية إسلامية قوية اقتصادي وعسكريا، علاوة ، على انفتاحه على العالم الآسيوي وعقد شراكات عملاقة متقدمة مع دوله المتطورة، كل هذه المفاصل أحدجثت الفجوة والجفاء بين أمريكا والمغرب.
ومن ثمة، فالحديث عن حقوق الإنسان بالمغرب، مجرد رد فعل ومعادلة للإصطفاف مع أعدائه بممارسة استراتيجية هجومية ضدهم جراء سعيه إلى محاربة إرهاب الأفراد تناغما مع سعيه لمحاربة إرهاب الدولة التي تعمل على شرذمة العالم العربي و الإسلامي، كغاية أريد لها أن تتحقق بأي ثمن.
على البعض من الذين يجادلون في حقوق الإنسان بالمغرب، أن يدركوا ويتلمسوا خيوط اللعبة قبل أن يصبحوا ضحايا توجهات موغلة في شرذمة وتقزيم دور المغرب، وتحييده من الساحة الدولية بافتراءات بعيدة عن كونية هذه الحقوق التي تضمن في مبداها ومنتهاها الأمن والإستقرار للأوطان والشعوب، بدل وضع المتاريس المجهضة لنموها وتقدمها.