بلجيكا تحيل جنديين إسرائيليين إلى المحكمة الجنائية الدولية في سابقة قانونية
في خطوة غير مسبوقة على الصعيد الأوروبي، قررت النيابة العامة الفيدرالية في بلجيكا إحالة ملف جنديين إسرائيليين إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب خطيرة في قطاع غزة. هذا القرار جاء بعد تقديم شكايتين رسميتين من طرف منظمتين حقوقيتين، هما مؤسسة “هند رجب” ومنظمة “غلان” (GLAN)، تتهمان الجنديين، المنتميين إلى لواء “جفعاتي” في الجيش الإسرائيلي، بالمشاركة في عمليات عسكرية استهدفت المدنيين والبنية التحتية المدنية الفلسطينية.
وبحسب ما كشفت عنه شبكة “يورونيوز” فإن الجنديين كانا متواجدين في بلجيكا خلال مهرجان “تومورو لاند” الموسيقي في مدينة بووم، قرب بروكسيل، حيث تم توقيفهما مؤقتًا من طرف الشرطة البلجيكية قبل أن يُطلق سراحهما. وقد قدمت المنظمتان شكاوى تتهمهما بالمشاركة في تدمير ممنهج للبنية التحتية في غزة، وشن هجمات مباشرة على المدنيين، بالإضافة إلى ارتكاب انتهاكات جسيمة مثل التعذيب والاحتجاز التعسفي.
بعد دراسة الأدلة وتحليل الملفات، قررت النيابة البلجيكية إحالة القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية، استنادًا إلى الفقرة العاشرة من المادة 14 من قانون الإجراءات الجنائية البلجيكي، الذي يجيز فتح تحقيقات بشأن الجرائم الدولية حتى وإن ارتُكبت خارج الأراضي البلجيكية، طالما توفرت شروط قانونية واضحة.
خلاف دبلوماسي وتحركات قضائية
وقد قوبل القرار القضائي البلجيكي باحتجاج دبلوماسي رسمي من طرف السفارة الإسرائيلية في بروكسيل، التي اعتبرت الخطوة “غير مبررة” وأبدت استياءها من الإجراءات البلجيكية، دون أن تنفي التهم أو تقدم ما يبرئ الجنديين. ووفق صحيفة “جيروزاليم بوست”، فإن الجنديين غادرا بالفعل الأراضي البلجيكية إلى هولندا، مما قد يُعقد عملية متابعتهما قضائيًا، في حال صدور أوامر توقيف دولية بحقهما.
في المقابل، أعربت منظمة “هند رجب” عن ترحيبها المشروط بالقرار، معتبرة أنه خطوة مهمة ولكنها انتقدت “بطء الإجراءات”، مطالبة السلطات البلجيكية بالتحرك بشكل أكثر حزمًا لضمان العدالة للضحايا.
سابقة أوروبية قد تُغير المعادلة
وتأتي هذه التطورات في وقت تُجري فيه المحكمة الجنائية الدولية تحقيقات متواصلة بشأن الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، تحت ضغط متزايد من المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني الدولي. وتمثل الإحالة البلجيكية سابقة من نوعها على المستوى الأوروبي، وقد تمهّد الطريق لتحركات قضائية مماثلة في دول أخرى، خصوصًا مع استمرار التصعيد في غزة وتزايد التوثيق الدولي للجرائم المرتكبة بحق المدنيين الفلسطينيين.
في ظل هذه المستجدات، تتجه الأنظار إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي أصبحت أمام اختبار حقيقي لإثبات استقلاليتها وقدرتها على فرض سيادة القانون على جميع الأطراف، دون استثناء.