مهرجان “كان” يفاجئ العالم ويَحظِر العري الكامل على السجادة الحمراء
في خطوة غير مسبوقة وتوصَف بالجريئة، أعلنت إدارة مهرجان “كان” السينمائي الدولي، في دورته الثامنة والسبعين التي انطلقت اليوم الثلاثاء، عن تعديل جذري في بروتوكول اللباس على السجادة الحمراء، يقضي بفرض حظر شامل على الظهور بالعري الكامل خلال جميع الفعاليات الرسمية، وذلك في إطار احترام اللياقة العامة وامتثالاً للقوانين الفرنسية المتعلقة بالآداب والسلوك في الفضاءات العمومية.
القرار الذي جاء مفاجئًا لكثيرين في الوسط الفني والإعلامي، يُعد سابقة في تاريخ المهرجان الذي لطالما ارتبط بصور الجرأة في الأزياء والتجريب البصري والرمزي على منصاته. لكن هذه المرة، يبدو أن إدارة المهرجان اختارت أن تضع حدًا للتجاوزات الشكلية التي باتت، في رأي كثيرين، تطغى على الجوهر الفني وتغذي السجالات أكثر مما تعزز الإبداع السينمائي.
تحول في الرؤية الثقافية؟
وقالت إدارة المهرجان، في بيان رسمي، إن هذا الإجراء “ينسجم مع توجه ثقافي وقانوني جديد في فرنسا، يولي أهمية أكبر لاحترام الفضاء العمومي كبيئة يجب أن تعكس الذوق الرفيع دون خلط بين حرية التعبير والاستفزاز المجاني”. وأضاف البيان أن هذا القرار “لا يستهدف حرية اللباس كحق فردي، لكنه يؤكد أن منصة مهرجان كان ليست فضاءً مفتوحًا لخرق المعايير الأخلاقية أو استخدام الجسد كوسيلة لإثارة الجدل”.
ردود فعل متباينة
وقد تباينت ردود الفعل بين من اعتبر الخطوة ضرورية لإعادة الاعتبار للسينما كفن راقٍ، وبين من رأى فيها رقابة مقنّعة قد تُقيد حرية الإبداع والاختلاف. غير أن كثيرًا من النقاد والمثقفين أشادوا بالقرار، واعتبروه محاولة لتصحيح المسار بعد أن تحولت بعض منصات المهرجان إلى عروض أزياء مثيرة للجدل أكثر من كونها احتفالية بالسينما العالمية.
أين المقلدون من قومنا؟
يثير القرار تساؤلات حول مدى تأثير هذا التوجه على مهرجانات مشابهة في العالم العربي، والتي غالبًا ما تتبع خطى “كان” في الشكل دون المضمون، وتستنسخ مشاهد الجرأة في اللباس دون سياقها الثقافي أو الفني. ويطرح السؤال نفسه بإلحاح: هل يملك القائمون على مهرجاناتنا الشجاعة للتمييز بين التمرد الفني وبين التفاهة البصرية؟ وهل ستتجرأ بعض المهرجانات العربية على اعتماد ضوابط مشابهة تُعيد الاعتبار للمحتوى بدل الإثارة المجانية؟
ففي زمن تكثر فيه المظاهر وتغيب المضامين، قد يكون قرار “كان” لحظة مفصلية تُعيد للسجادة الحمراء هيبتها، وللفن السابع مكانته. وإذا كان مهرجان بحجم “كان” قد اختار الانضباط واللياقة، فإن التحدي الأكبر اليوم هو في أن تتجاوز المهرجانات العربية التقليد الأجوف، وأن تخلق لنفسها هوية تراعي ثقافتها وتحترم جمهورها، دون الحاجة لاقتفاء أثر ما لم يعد يُحتذى.