التشهير والابتزاز الرقمي… سرطان ينهش الثقة بين الدولة والمجتمع

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

في زمن تحوّل فيه الفضاء الرقمي إلى ساحة رئيسية للتفاعل وتبادل المعلومات، برزت ظاهرة خطيرة تهدد السلم الاجتماعي وتضرب الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة، حيث تحولت بعض الصفحات الفايسبوكية وقنوات “اليوتيوبرز” إلى منصات للابتزاز والتشهير بدل أن تكون أداة للتنوير والمرافعة الوطنية.

فقد صار هؤلاء الذين يصفون أنفسهم بـ”المدونين” مجرد مرتزقة رقميين، يمارسون التشويه الممنهج للسمعة، ويبتزون المواطنين والمسؤولين الشرفاء مقابل مكاسب مالية أو شخصية. والأنكى أنهم بدل مواجهة الحملات العدائية التي تستهدف الوحدة الترابية من خصوم الوطن، يوجّهون سهامهم نحو الداخل، في عملية تقويض ممنهجة للثقة العامة.

ولم تعد هذه الممارسات مجرد تجاوزات فردية، بل تحولت إلى سلوك منظم يهدد الحريات ويضرب الحياة الخاصة للأفراد دون أي غطاء قانوني، مستغلين ثغرات المرحلة السابقة وضعف الرقابة الرقمية.

الدولة من جانبها، سبق أن تدخلت ضد بعض المؤثرين الذين تاجروا بالمحتوى الهابط والمخل، واليوم أضحى من الضروري توسيع دائرة المحاسبة لتشمل من يحوّلون حرية التعبير إلى غطاء لجرائم الابتزاز الرقمي. وقد جاء إعلان وزير العدل عبد اللطيف وهبي عن تشديد العقوبات في مشروع القانون الجنائي الجديد ليضع حداً لهذا الانفلات، مؤكداً أن الأمر لا يمت بصلة إلى الصحافة أو التعبير، بل يتعلق بجرائم مكتملة الأركان تستوجب محاكمات صارمة.

ويرى خبراء أن استمرار هذه الظاهرة يهدد النسيج الاجتماعي، ويُضعف العلاقة بين المواطن والدولة، لاسيما في ظل مؤشرات على استغلال بعض الأطراف السياسية لهذه المنصات لتوجيه الرأي العام أو الضغط على خصومها. وهو ما يفرض يقظة سياسية ورقابية متجددة.

اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أصبح من واجب الأحزاب الوطنية أن تتحمل مسؤوليتها وتستعيد زمام المبادرة في مواجهة هذا المدّ الرقمي المنفلت، كما أن الدولة مطالبة بتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وقطع الطريق أمام كل من يحاول تحويل المنصات الاجتماعية إلى أدوات ضغط وابتزاز.

إن بناء جبهة وطنية متماسكة – تضم الدولة، الأحزاب، المجتمع المدني والإعلام النزيه – صار ضرورة استراتيجية لمواجهة هذا الخطر. فالمعركة لم تعد مجرد صراع قانوني، بل هي معركة قيم ومبادئ، الهدف منها حماية حرية التعبير من التشويه، وصون كرامة المواطنين من الابتزاز، وضمان أن يظل النقاش العمومي في مساره الطبيعي، بعيداً عن الفوضى الرقمية التي تهدد استقرار المجتمع وأمنه.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.