توترات الشارع تهز أركان الحكومة: هل يلوح تفكك الأغلبية في الأفق؟
يشهد المغرب منذ أيام حراكًا اجتماعيًا متصاعدًا تقوده فئات واسعة من الشباب، في مشهد يعيد إلى الواجهة أسئلة عميقة حول العلاقة بين الدولة والمجتمع، ومآلات النموذج التنموي الجديد، ومدى قدرته على الاستجابة لتطلعات الأجيال الجديدة.
وخرج الآلاف من الشباب، خاصة من جيل “زد”، في عدد من المدن المغربية، رافعين شعارات تطالب بتوفير فرص عمل، وتحسين جودة التعليم والصحة، ومكافحة الفساد، وتحقيق العدالة الاجتماعية، إلى جانب دعوات صريحة تطالب باستقالة الحكومة الحالية التي يرأسها عزيز أخنوش.
وانطلقت شرارة هذا الحراك من العالم الافتراضي، عبر دعوات تم تداولها على نطاق واسع في منصات التواصل الاجتماعي، سرعان ما وجدت صدى في الشارع، لترسم صورة احتجاجية جديدة عنوانها التنظيم والانضباط والسلمية.
وشهدت المدن الكبرى كالعاصمة الرباط والدار البيضاء وفاس وطنجة توافد أعداد كبيرة من المحتجين الذين عبّروا عن غضبهم من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الراهنة، مؤكدين في الوقت ذاته على سلمية تحركاتهم ورغبتهم في إيصال رسائل واضحة دون المسّ بالأمن العام.
لكن الحراك لم يخلُ من توترات محدودة في بعض المناطق مثل آيت اعميرة وإنزكان وسلا، حيث تحولت احتجاجات محدودة إلى مواجهات مع قوات الأمن وأعمال تخريب استهدفت مؤسسات مصرفية وتجارية، إضافة إلى إلحاق أضرار بعدد من السيارات الأمنية.
وقد سارعت السلطات إلى التدخل لاحتواء الموقف ومنع امتداد الفوضى، مؤكدة في الوقت ذاته احترامها لحق التظاهر السلمي في إطار القانون، ورفضها لأي تجاوزات تمس بالممتلكات العامة والخاصة.
التطورات الأخيرة وضعت الحكومة أمام اختبار صعب، حيث وجدت نفسها مطالبة بالاستماع إلى صوت الشارع واتخاذ إجراءات ملموسة لامتصاص الغضب الاجتماعي، خصوصًا بعد أن اتسعت رقعة الاحتجاجات وتزايد زخمها الإعلامي داخليًا وخارجيًا.
وقد أجمعت قراءات سياسية وإعلامية على أن هذه الاحتجاجات تعبّر عن تراكمات اجتماعية واقتصادية امتدت لسنوات، ولم تعد الحلول الجزئية قادرة على احتوائها، في ظل ارتفاع نسب البطالة وتراجع الثقة في الخطاب السياسي لدى فئة الشباب.
في المقابل، يرى مراقبون أن الحراك الشبابي وإن كان في جوهره تعبيرًا عن مطالب اجتماعية مشروعة، إلا أنه يحمل في طياته أيضًا خطر الاستغلال من قبل أطراف داخلية وخارجية قد تسعى إلى تأجيج الوضع واستهداف الاستقرار، وهو ما دفع العديد من الفاعلين السياسيين إلى الدعوة للتحلي باليقظة والمسؤولية في التعامل مع الأحداث.
ومع تصاعد الغليان في الشارع، تفجّرت خلافات داخل التحالف الحكومي نفسه، لتكشف عن تصدعات عميقة كانت خفية خلال الأشهر الماضية. فقد أثارت تصريحات نزار بركة، وزير التجهيز والماء والأمين العام لحزب الاستقلال، ونجوى ككوس، رئيسة المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة، جدلاً واسعًا بعد مشاركتهما في برنامج “نكونو واضحين” الذي بثته القناة الثانية مساء الأحد 5 أكتوبر 2025، والمخصص لمناقشة احتجاجات “جيل زد”.
واستهل بركة تدخله بالقول إنه يحضر بصفته أمينًا عامًا لحزب الاستقلال وليس وزيرًا في الحكومة، في إشارة فُهمت على أنها محاولة للنأي بالنفس عن المسؤولية الحكومية في ظل تصاعد الانتقادات.
أما ككوس، فقد ذهبت أبعد من ذلك عندما صرّحت بأن “الأغلبية الحكومية شيء، والحكومة شيء آخر”، مؤكدة أنها لا تمثل الحكومة ولا تتحدث باسمها، ما اعتبره متتبعون إعلانًا ضمنيًا بانفصال مكونات الأغلبية عن الحكومة التي تشكلها.
هذه التصريحات، التي وُصفت من قبل بعض المراقبين بـ“القنبلة السياسية”، أعادت إلى الواجهة سؤال تماسك الائتلاف الحاكم، خاصة في ظل تزايد الأصوات داخل أحزاب الأغلبية التي تحاول التبرؤ من حصيلة العمل الحكومي.
ردود الفعل على هذه المواقف لم تتأخر، إذ اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي موجة من التعليقات المنتقدة لما وُصف بمحاولة “الهروب إلى الأمام” من قبل أحزاب تشارك في الحكومة.
وعبّر عدد من النشطاء عن استغرابهم من موقف بركة وككوس، معتبرين أنهما يسعيان إلى تحميل رئيس الحكومة وحده مسؤولية الأزمة، فيما يتحمل الجميع تبعات السياسات الحكومية الحالية.
ومن جانب آخر قدم النائب البرلماني محمد التويمي بنجلون، عن فريق الأصالة والمعاصرة، استقالة شفهية من عضوية مجلس النواب، في خطوة فاجأت الأوساط السياسية والبرلمانية، وجاءت – بحسب ما ورد في تصريحه – تفاعلاً مع الاحتجاجات الاجتماعية المتواصلة في عدد من مدن المملكة.
وأوضح بنجلون، أن قرار الاستقالة يأتي بعد تفكير عميق وتقدير شامل للمرحلة التشريعية الحالية، معتبراً أن الاستمرار في تحمل المسؤولية البرلمانية في ظل الظروف الراهنة لم يعد منسجماً مع قناعته الشخصية ومع تطلعات المواطنين الذين وضعوا ثقتهم في المؤسسات المنتخبة.