كيف تضيء عدالة مراكش على “بصمات” الفساد في الصفقات العمومية؟
لم تعد معركة حماية المال العام تقتصر على النصوص القانونية الجافة، بل تحولت إلى سباق تقني محموم لكشف الألاعيب المالية المعقدة. هذا ما جسدته دورة تكوينية حصرية، احتضنتها محكمة الاستئناف بمراكش يوم الأربعاء 10 دجنبر 2025، حيث التقى قضاة النيابة العامة وضباط الشرطة القضائية ونخبة من المتدخلين في الجرائم المالية لرفع مستوى جاهزيتهم في تعقب جرائم الطلبيات العمومية.
الدورة لم تكن مجرد لقاء علمي، بل كانت بمثابة ورشة عمل متقدمة تهدف إلى تسليح العدالة المغربية بأدوات تحليلية وتقنية دقيقة لتفكيك خيوط الفساد المتشابكة.
و تولى ضابط الشرطة القضائية بالفرقة الجهوية بمراكش، السيد “يوسف بحري” ، مهمة تقديم عرض تطبيقي يكشف عن الكيفية العملية للتحري والبحث في هذه الملفات الشائكة.
العرض ركز على أهمية تتبع المعطيات التقنية والمالية خطوة بخطوة، وكيفية رصد المؤشرات الدقيقة التي تنذر بوجود اختلالات داخل الصفقات قبل أن تتفاقم. وتم التأكيد بقوة على الدور المحوري الذي تلعبه الأدلة الرقمية والتحليل الوثائقي في تفكيك مسارات العمليات المشبوهة، مما يرسخ دور وحدات الشرطة القضائية كخط دفاع تقني متقدم ضد الهدر المالي.
و في السياق القانوني لهذه المواجهة، قدم نائب الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمراكش، السيد “يوسف المتحف” ، مداخلة مفصلة حول الإطار القانوني المؤطر للطلبيات العمومية.
واستعرض الاستاذ “المتحف”، بدقة المقتضيات التي تعاقب على صور الغش واستغلال النفوذ، مع التركيز على المراحل الأكثر عرضة للاختلالات، بدءاً من الإعلان والتنافس وصولاً إلى الإسناد والتنفيذ. و أشار ذات المتدخل إلى أن التحديات العملية تستلزم من القضاة مقاربات مبتكرة، مؤكداً أن الاجتهاد القضائي يتجه نحو ترسيخ آليات جديدة للتعامل مع الطبيعة المعقدة للجرائم المالية الحديثة.
واختتم اللقاء بعرض موسع للوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمراكش، الأستاذ “خالد كردودي” ، الذي قدم رؤية استراتيجية متكاملة لتعزيز النجاعة في البحث والمتابعة.
وشدد الأستاذ ‘كردودي” على أن حماية المال العام هي مسؤولية مؤسساتية مشتركة تتطلب تكويناً مستمراً، وتعميقاً للتعاون بين النيابة العامة والأجهزة الرقابية المتخصصة، واعتماداً شاملاً للتقنيات الحديثة في رصد المخالفات.
كما أكد على الضرورة القصوى لتطوير مؤهلات القضاة والضباط لمواكبة التحولات المالية والتقنية المتسارعة التي تفرض تحديات جديدة في التصدي لجرائم الفساد.
التوصيات الختامية للدورة شددت على تكثيف الدورات التكوينية، دعم التعاون المؤسساتي، تعزيز استعمال الوسائل الرقمية في التحريات، وإحداث وحدات متخصصة لتحليل وثائق الصفقات، في خطوة لترسيخ اليقظة القضائية ضد العابثين بثروات الوطن.