بقلم:عبد الرزاق أبوطاوس
هل توفقت ثورة مصر الثانية للثلاثين من يونيو 2013، التي وصفت بثورة استعادة الحلم والأمل، وإسقاط المخطط الغربي للسيطرة على الشرق الأوسط، ورفض إطلاق وصف ” الثورة المضادة” عليها، كما سبق وصرح بالوصفين الأخيرين رئيس لجنة الخمسين لتعديل الدستور ” عمرو موسى”، في العشرين من مايو الجاري، من تأكيد، على أنها ثورة شعبية حماها الجيش، وليست انقلابا على الشرعية، كما سبق وأعلن عن ذلك محمد أبو العينين رئيس مجلس إدارة شبكة قنوات وبوابة صدى البلد، الإثنين الأخير أثناء لقائه مع محرري “صدي البلد”، والذي قال فيه، بأن ” هناك من يشكك فيها وكل يوم يمر يؤكد أن ثورة 30 يونيو ثورة شعبية حماها الجيش، وهذه الرسالة لم تكن قد وصلت للعالم، وهناك من كان يعمل علي هذا ” ؟.
من حيث الشكل ، يمكن التأشير على هذا النجاح، الذي هيأ لتحققه، الإنكماش النسبي للإخوان والإكتفاء بالدخول في الجدل السياسي للتأكيد على أن ما حدث في الثلاثين من يونيو 2013 هو انقلاب على الشرعية، واستعادة لدور الجيش في الحكم المدني، وعودة بنظام الحكم إلى أسس الدولة الأمنية العميقة، وتراجعا عن المبادئ الديمقراطية التي طرحت بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، إشكال مدنية الدولة في ظل وصول مرشح إخوان مصر محمد مرسي بالإحتكام إلى الشرعية الإنتخابية إلى حكم الدولة، والإنحسار في احتجاجات الشارع الموالي للشرعية بعد عمليات الإعتقال التي طالت أبرز قياديي جماعة الإخوان المسلمين، ومحاكمة الأنصار التي يظل أبرزها محاكمة ” حركة 7 صبح”، وأحكام الإعدام الجماعي لأزيد من 500 ثوريا مواليا للشرعية، بالإضافة، إلى اعتماد سلطة الحكم المؤقتة، على قانون الإرهاب في مواجهة العمليات التفجير التي تركزت في شمال سيناء وشرق دلتا النيل بين القاهرة والإسماعيلية المطلة على قناة السويس، واستهداف المقار الأمنية، ونقاط التفتيش، وتوجيه تهمة الضلوع فيها إلى جماعة الإخوان، التي نفت عنها صفة أن تكون قد أدخلت مصر في متاهة التناقض المرجعي في سياسة الحكم، أو وجهت أعمال عنيفة بين مؤيدي الشرعية والدولة التي تسيطر على الحكم، وتمتلك وسيلة القوة وتحريك آلية الردع، التي تمكنها من الهيمنة على القرار السياسي أولا، وفرض توجهاتها العامة ثانية، ويقف بها الجيش في تجاه المأسسة لثوابت الدولة العميقة التي تشد عن الإختيار الديموقراطي، وتعطيل الحقوق السياسية، بحيث أن تعبير مدنية الدولة في إطار الدولة العميقة لا يعدو أن تعكسه غير ممارسة الحقوق الإجتماعية على مستوى قطاعين عموميين ” التعليم – الصحة “.
فإذا كان لجوء جماعة الإخوان المسلمين بمصر إلى المناظرة السياسية للوقائع والأحداث التي أعقبت 30 يونيو 2013، والتخلي الضمني عن مناكفة سلطة الحكم المؤقتة من خلال النزول إلى الشارع، في اختياراته يعود إلى إدراك الجماعة بامتلاك الدولة وسيلة القمع، فإن ما يجعل من اختيارها للمناظرة السياسية من خلال أطرها الإعلامية بكيفية خاصة، هو أخذها بمحاولة تعرية النظام القائم على عسكرة التوجهات والإختيارات العامة للدولة المصرية، وإبقاءه منفردا في مواجهة الضغط الداخلي لمشروع الثورة الذي يجمع مكونات المجتمع، وليس فقط تيار جماعة الإخوان المسلمين، وتجنيب الجماعة وصفها بالجماعة ” الإرهابية “، خصوصا بعد اتهامات الدولة لها بالتخابر مع جهات أجنبية، وعلى الأخص جماعة ” حماس “، وهي الإتهامات التي قادت أخيرا إلى إغلاق مقارها وحظر نشاطها الذي أثر على تكثل الجماعة، وذلك بقرار قضائي.
من الناحية السياسية، أن ثورة 30 من يونيو 2013، رغم تمكنها من تنفيذ جزء مهم من برماجها السياسي الداخلي، حيث تم على هذا المستوى التركيز على إخراج مصر من حالة الفراغ الدستوري، بعد تعطيل العمل في 3 يوليو 2013 بدستور الجمهورية للسنة 2012 الذي صاغت مواده وطرحته للإستفتاء اللجنة التأسيسية ، وحاز على نسبة موافقة بلغت 63.8%، من مجموع 17,058,317 ناخباً من أصل 51,919,067 ممن لهم حق التصويت، وذلك، عبر تشكيل لجنة الخمسين بإشراف عمرو موسى، والتي عهد إليها بتعديل مواد الدستور المعطل، وهو الدستور الذي لقيت مسودته معارضة نشطاء في ثورة 25 يناير 2011، كما مثلتها حركة 6 أبريل المصرية التي رأت في المسودة إهدارا لمدنية الدولة، بين مواد الهوية ومواد المؤسسة العسكرية وأضعفت من السلطة التشريعية الرقابية، وذلك، بعيد أيام على طرح المسودة على الإستفتاء الشعبي، وأعلنت الحركة عن موقفها الرافض للمسودة الدستورية، التي صاغتها اللجنة الخمسينية برئاسة أمين عام الجامعة العربية سابقا، المرشح لانتخابات الرئاسة للعام 2012 عمرو موسى، في بيان حمل عنوان ” لا لتعديلات الدستور “.
موقف الحركة غير الداعم للمسودة الدستورية، أدى إلى حظر نشاطها الثوري ومصادرة مقارها، بناءا على حكم أصدرته محكمة القاهرة للأمور المستعجلة التي بثت في الدعوى التي أقامها محام ضد الحركة، وتحت اتهام الرئيس المؤقت عدلي منصور للحركة ب ” ارتكاب أعمال تشوه صورة الدولة المصرية” و” التخابر مع جهات أجنبية “.
الحكم الذي تزامن مع تأييد محكمة مصرية سجن ثلاثة من قادة الحركة ثلاث سنوات ” أحمد ماهر، أحمد دومة، محمد عادل “، بتهمة خرق قانون التظاهر، الذي رفضته الحركة، التي رأت فيه عودة لإنتاج دولة مبارك، وهو الحكم الذي طرح الحديث عن اختيار السلطة المؤقتة في مصر ” تصفية الكيانات الثورية”، التي فعلت في ثورة 25 من يناير 2011.
وإذن، فبين مؤشرات النجاح في استعادة نظام الدولة العميقة، وفشل التصحيح السياسي لثورة 30 يونيو، تدخل جمهورية مصر العربية، مرحلة القطع مع المرحلة الإنتقالية، التي أعقبت الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، عبر انتخابات الرئاسة التي تعرف مشاركة مرشحين ” عبد الفتاح السيسي – حمدين صباحي”، ويجري اقتراعها أيام 26 و 27 من ماي الجاري، وذلك، في سياق بعث الشرعية الذبيحة على تداخل المدني بالعسكري.