خلال المنتدى العالمي حول المالية العمومية، الذي جرى تنظيمه في 21 و22 شتنبر الجاري، حول سؤال “المالية العمومية والعدالة الاجتماعية”، خرج العديد من المختصين والخبراء المغاربة والفرنسيين، بخلاصات واقتراحات لا تنتهي.. على أساس أن السياسات الاجتماعية الموجهة لتلبية احتياجات المواطنين تبقى رهينة بتنفيذ إصلاحات وإجراءات استراتيجية.
من هذا المنطلق وجب التذكير بأن سوء التوزيع الضريبي أو ارتفاع نسبة الضغط الضريبي وكذا غياب التوزيع الجغرافي العادل للاستثمارات العمومية أو ضعف مردوديتها أحد المؤشرات الرئيسية التي تساهم في تكريس الأعطاب التي تحول دون العدالة الاجتماعية.
فعلى الرغم من مرور سنوات وعقود على وضع واعتماد العديد من البرامج والخطط الممولة بميزانيات هائلة، لم تستطع الحكومات المتعاقبة تحقيق تنمية حقيقية تتماشى مع الأهداف الكبرى للمشروع المتمثلة في مكافحة الفقر في الوسط القروي والقضاء على الإقصاء الاجتماعي في الوسط الحضري ومحاربة الهشاشة، ضمانا لمستوى عيش كريم للمواطن المغربي، حيث تم تسجيل المزيد من اتساع دائرة الفقر وتكريس مظاهره وترسيخ آليات التفقير، و إنتاج فئة منتفعة تنعم بالحصانة والاغتناء الفاحش من المال العام، وغالبية الفئات الأخرى تكتوي بنار التهميش والإقصاء الاجتماعي والتفقير.
لقد تم إنفاق ملايير الدراهم على مشاريع مغشوشة، وبرامج تنموية على غرار برنامج تيسير، صندوق التماسك الاجتماعي، مساعدة الأرامل، مساعدة النساء المتخلى عنهن، عملية مليون محفظة….إلى آخرها من البرامج التي تم وضعها، فإذا ما تم تخصيص هذا المال العام للمجالات ذات الأولوية وهي التعليم والصحة، كان المغرب سيحصل على بعض النقاط تحسن موقعه في سلم التنمية البشرية بدل أن نصنف في تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة في المركز 123 في مؤشر التنمية البشرية لسنة 2018 من أصل 189 دولة شملها التصنيف، ليحتفظ المغرب في نفس المركز منذ سنة 2016.
فبعد مرور 18 سنة على إطلاق ورش التنمية البشرية بالمغرب، وعلى الرغم من شعارات التطبيل، لا زال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي “PNUD” يضع المغرب في مرتبة متدنية، بل أجمع جل المتتبعين على فشل كل تلك المبادرات والمشاريع التنموية لافتقادها لإرادة سياسية حقيقية، الأمر الذي يحيلنا على خطابات الملك محمد السادس التي أبرزت وبشكل واضح فشل النموذج التنموي.
إن الحديث عن العدالة الاجتماعية لا بد أن تصاحبه بالفعل إرادة حقيقية، تنخرط في إستراتيجية اقتصادية متكاملة، تأخذ بعين الاعتبار مصلحة الوطن ومستقبل الأجيال القادمة، وليس وضع برامج وإصلاحات لا تعدو أن تكون إلا إجابة ظرفية على وضعية اقتصادية معيشة وخطوة إضافية لتعقيد الأزمة أو تأجيلها في انتظار إصلاحات مقبلة تجهز على ما تبقى من مكتسبات الفئات الفقيرة والمتوسطة.