عندما يتفاعل الشخص مع الأحداث التاريخية في محطاتها الكبرى يتشكل إنسان جديد بعيد عن الخصائص الفيزيائية، ويتحول إلى فكرة الواقع، تستمد وجودها من كل ما يؤسس للإنسان المناضل المتماهي مع الحقيقة والمتصارع مع سلبيات الواقع في صراع أبدي يرفع من قيمة الإنسان في علاقته بالوطن الذي نبعثه منه.
الشيخ المناضل ” محمد أبو الحقوق ” من طينة أساطين النضال بمفهومه الشامل والمنفلت من عقال التبعية والطامح إلى الإنصهار في هموم المواطنين بكل تلقائية وعفوية لا تتسامت مع عفوية وتلقائية ممتهني ومحترفي الإنتهاز والعمل السياسوي المنخرط في تدليس الواقع وتدنيسه.
محمد أبو الحقوق، هو صورة/ نموذج لما ينبغي أن يكون عليه النائب المنتخب الذي لما ينبغي أن يكون عليه من تسند إليه المهمة التدبيرية للشأن المحلي دون الحاجة إلى تبضع الضمائر، أو الوعود التي يستحيل تحققها في الواقع، حيث يظل ويبقى علما من أعلام الوطنية، تلك التي استمدها من نضاله في صفوف المقاومة وجيش التحرير أولا، ومن مناهل الفكر البناء ثانية، محققا عبر هاتين الميزتين إجماع ساكنة المنطقة التي استبعدت المصادفة في عملية استمراره ممثلا للساكنة، والتي ارتكزت في تجذيرها على رصيد وطني عز نظيره.
بناءا على ذلك، فمن الأكيد أن محمد أبو الحقوق الذي قضى زهاء الأربعين سنة في مقارعة المهمة التدبيرية،بين تدبير الشأن المحلي للجماعة القروية ” اثنين أملو ” التابعة للنفوذ الترابي ( سيدي إفني ) بالجنوب الغربي للمملكة، في ما بين سنوات 1963 إلى تفعيل قرار التقسيم الترابي للمناطق المفعل سنة 1992، حيث ظل إلى حدود اللحظة، وتكرس عقب الإستحقاق الأخير يمارس مأمورياته التمثيلية للساكنة، رئيسا للجماعة القروية ” تنكرافا “.
محمد أبو الحقوق، شخصية غنية بتمثلات التميز والسمو في جميع مستويات ومكونات الحياة الإجتماعية، فهو السياسي والمناضل، والقائد الجماعاتي، المتشبع بأصالة النشأة، والمتماهي مع أحداث منطقته سواء على مستوى مصارعة المحتل الإسباني/ الفرنسي، أو مصارعة الواقع المتربص بعيش الساكنة، والموسوم بفطرية التشوف نحو صناعة مواطن جديد، بمواصفات مغايرة.
للتقرب أكثر من الشيخ محمد أبو الحقوق، وفي محاولة دؤوبة لسبر غور هذه الشخصية، من ضرورات المقاربة وضع اليد على مكونات/ مفاتيح هذا الكيان الذي يجمع بين ما تفرق في غيره، “حس وطني والتزام مسؤول”.
فقد كان للنشأة الدينية التي كرع من مظانها تربية وسلوكا، أثر في توجهاته الرافضة لمهادنة المحتل، بل العمل على تحييده من جغرافيا الوطن، رفقة رعيل من المنتمين إلى المقاومة وجيش التحرير، ثم العمل السياسي المنظم ” حزب الإستقلال ” الذي هيأ له الإنخراط في تجربة ناجحة، من خلال إصرار ساكنة الجماعتين اللتين اشتغل على تدبير شأنهما المحلي لمدة تربو عن الأربعين سنة، يعد إنجازا غير مسبوق في منظومات الإنتخابات الجماعية، إضافة إلى الفهم العميق لتشوفات ساكنة الجماعتين، حيث أسس لقنوات اتصال ميزتها الصدق والتفاني في العمل، ثم الملازمة الفاعلة لهموم أبناء المنطقة، والتعرف عن كثب على مفاصل عملية إدماج المنطقة في محيطها السوسيو/ ثقافي، وإخراجها من بوثقة الحاجة الضاغطة إلى فضاءات الأمن الإجتماعي، وإلى رحاب مواكبة الفهم الجديد لإشكال ” الواجب” و ” الحتمي ” البعيد عن المنفعة الذاتية، إلى الإنخراط في سلسلة تنموية جماعية، غيرت بدرجات متفاوتة بين كافة مستويات الواقع العيشي بالمنطقة، علاوة، على الإدراك المعقلن للعمل القيادي/ الجماعاتي الذي من مواصفاته تطبيق سياسة القرب، والرغبة في إسناد كافة الجهود التواقة إلى التظافر والتآزر تفعيلا للمواطنة وترشيدا للمصالح الجماعية وتحكيما يتحرك ببناء الحكامة الجيدة، تعميلا للحق في العيش الكريم، عبر انصباب الجهد على محاربة الفقر والهشاشة ترسما لمبادئ المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ومقتضيات البلورة للمفاهيم ذات العلاقة بالسلطة كما هي مدرجة في خطاب العهد الجديد.
عن علاقة نبوغ شخصية الشيخ محمد أبو الحقوق، تحوزه على نظرة ثاقبة تتعامل مع الواقع بالنظرة الشمولية في مناولة كافة المشاكل التي تطرح والحاجيات الملحة الآنية منها والمستقبلية، ما مكنه من امتلاك تمظهرات القائد الكاريزمي الذي يحفر موقعا وضاءا في الخريطة السياسية العامة، إذ تكرم بمعايشة ومعاصرة ثلاثة ملوك قدروه حق قدره، الملكين المشمولين برحمة الله، السلطان محمد الخامس وقائد الجهاد الأكبر الملك الحسن الثاني، وملك البناء والتشييد دام له التمكين الملك محمد السادس، والذين أجمعهم مكنوه من اللقاء بهم، ما يعتبر في النظر السديد مكافأة وتقديرا للشيخ محمد أبو الحقوق.
وانطلاقا من التراكمات الدينية والسياسية والقيادية التي استطاع رئيس بلدية اثنين أملو محمد أبو الحقوق، أن يفهمها ضمن دائرة اهتمامه رغم امتداد السن الذي ناف على 74 سنة، فقد استحق تقدير الساكنة، لا لاعتبار شخصيته الفيزيائية التي استطاع الشيخ محمد أبو الحقوق التخلص منها، ولكن بامتلاكه لشخصية معنوية شدت إليها الأنظار، وموقعته الثقة بهذه الشخصية ضمن الرجال المرموقين محليا ووطنيا، الساهرين على مصلحة الجماعة، كما يسهرون على الرفع من مستواها بروح تمتلك نزعة دمقرطة الفعل التدبيري وتصورات المضطلعين بأمور السياسة، وترويضها ضدا على الواقع لصالح المنطقة ولصالح الوطن.
محمد أبو الحقوق بما يحمله من اهتمام، وبما صنعه من جهده وعرقه، يعتبر أيقونة نفيسة، آن الأوان لتكريمها وتقدير أعمالها بمعايير المواطنة التي تسمو عن كل المقاييس والأوسمة.