»العهد الجديد الذي بدأ مع جلالة الملك محمد السادس منذ 1999، والذي تميز بالاهتمام الشديد بالأوضاع الداخلية اقتصاديا واجتماعيا على حساب السياسة الخارجية، لأن المرحلة جعلت قضية الصحراء سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، هي الهدف الاستراتيجي لتحــركــات الـدبـلـوماسية المغربية «
»السياسة المغربية لم تخرج عن إدانة الاحتلال الإسرائيلي وتنفيذ القرار 242 لعام 1967 والتمسك بالطابع الإسلامي للقدس «
عبد الله العلوي
العلاقات المغربية الأمريكية
تميزت العلاقات الأمريكية ــ المغربية ــ منذ استقلال المغرب -18/11/1956ــ بالتعاون التام، باستثناء فترة قصيرة ــ 1958 ــ 1960 ــ، أثناء مرحلة حكومة عبد الله إبراهيم، التي عرفت إغلاق القواعد الأجنبية والتخطيط الخماسي، والانفتاح على العوالم العربية والإسلامية، والإفريقية، أما في باقي المراحل التاريخية فقد كانت هذه العلاقات جد وثيقة، سواء على مستوى التعاون العسكري والاستخباراتي أو مواقف السياسة الخارجية. ورغم اختلاف هذه المواقف أحيانا في بعض القضايا، فإن الأمر لم يكن سببا لأي عداء أو مشاكل، فقد تفهم الأمريكيون موقف المغرب من قضية فلسطين خصوصا أن السياسة المغربية لم تخرج عن إدانة الاحتلال الإسرائيلي، وتنفيذ القرار 242 لعام 1967 والتمسك بالطابع الإسلامي للقدس، مع التزام صارم بعدم المشاركة في أي مؤتمر مناهض للولايات المتحدة وسياستها أو إدانة هذه السياسة.
وقد عرفت العلاقة المغربية الأمريكية أزمة طريفة عندما أهدى السلطان محمد بن عبد الرحمان سنة 1834 ــ ضمن هدايا أخرى ــ ” أسدا ” إلى الرئيس الأمريكي، ولأن الكونغريس رفض الهدية التي ستكلف ميزانية أمريكا دولارا واحدا في اليوم، فإن الرئيس آندرو جاكسون اقترح قبول الهدية ثم تفويت الأسد للغير ليتكلف به وهكذا انتهى الأمر.
عرفت هذه العلاقات أزمة كبرى حقيقية هذه المرة، عندما ارتبط المغرب بمعاهدة اتحاد مع ليبيا، فكان الغضب الأمريكي هذه المرة عنيفا، عبر عنه موقف الرئيس رونالد ريغان وحزبه الجمهوري الذي حكم أمريكا في هذه الآونة. و قد ألغى العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني (1929 ـ 1999) بخطاب هذه المعاهدة التي أقرت بعد استفتاء عام، حرصا على العلاقة المتميزة بين الرباط و واشنطن.
و من المعروف أن علاقة المغرب بأمريكا تكون في أعلى مستوياتها، عندما يكون الحزب الجمهوري في الحكم. فقد ارتبط قادته بعلاقة جد وثيقة بالقيادة المغربية، أكثر من قادة الحزب الديمقراطي باعتبار الفكر المحافظ الذي تلتزم به كلا القيادتين، ودون إغـفال الاختلاف الاجتماعي والسياسي بين البلدين.
والعلاقة التاريخية بينهما كانت جد وثيقة ولا زالت، وقد ربطت النظام المغربي بقيادة الحزب الجمهوري برباط أشد قوة من العلاقة مع الحزب الديمقراطي، خصوصا خلال مرحلة العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني (1961 ــ 1999).
إلا أن هذا لا يعني أن العلاقة مع الحزب الديمقراطي الأمريكي، كانت واهنة لأن الأمر يتعلق بمصالح سياسية موضوعية وليس ذاتية فقط. فتولي أحد الحزبين الأمريكيين الإدارة في واشنطن، لا يؤثر بشكل كبير على هذه العلاقة، وإن كان الزخم الذاتي لتواجد الحزب الجمهوري في الإدارة الأمريكية أكثر دفعا للعلاقات المغربية / الأمريكية. مع العلم أن المغرب تاريخيا هو أول بلد اعترف باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية عن بريطانيا، وذلك عام 1777 كما كانت أول معاهدة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية عام 1786 مع المغرب. ورغم الطابع المعنوي لهذا الاعتراف وتلك المعـاهدة، إلا أن هذه اللازمة التاريخية بقيت كأيقونة يشار لها في جميع اللقاءات والندوات بين الطرفين.
الدبلوماسية المغربية
لعبت الحركة الوطنية (1944 ــ 1953) والمقاومة المسلحة (1953 ــ 1956) دورا هاما في إنهاء معاهدة الحماية الفرنسية (1912 ــ 1956) ونيل المغرب استقلاله في نفس السنة، ورجوع الملك محمد الخامس من المنفى بمدغشقر، وقد تمتعت الحركة الوطنية والمقاومة المسلحة بتأثير قوي داخليا وخارجيا. ولدى تأسيس وزارة الخارجية في 1956، تم تعيين مجموعة هامة من المناضلين بها، وذوي الخلفية الحزبية، فقد تولى وزارة الخارجية المرحوم الأستاذ أحمد بلافريج الأمين العام لحزب الاستقلال، كما تولاها الراحل الأستاذ عبد الله إبراهيم. وتم تعيين مجموعة من السفراء في الخارج مثل المرحوم المهدي بنعبود في أمريكا والمرحوم عبد الرحيم بوعبيد في باريس، وعبد الخالق الطريس في القاهرة. وبعده المناضل عبد القادر حسن، والطيب بوعزة في يوغوسلافيا، وأحمد بنعبود في الهند وعبد المجيد بنجلون في باكستان… قبل أن تتحول الهيئة الدبلوماسية المغربية إلى جهاز إداري ذي طابع وظيفي، في السنوات اللاحقة، خصوصا بعد الستينيات، وهو الأمر الذي أثر بشدة على فعالية الدبلوماسية المغربية، بالإضافة إلى بعض المواقف السياسية في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، التي أدت إلى شبه انقطاع للدبلوماسية المغربية عن التواجد الفعال في أمريكا اللاتينية ( 36 دولة )، وأفريقيا ( 53 دولة )، مما جعل المغرب يواجه صعوبات لإقناع المنظومتين بعدالة قضية المغرب ووحدته الترابية وشرح الملف الاستعماري التاريخي للمغرب واستقلاله، وكون أراضي عــديدة بقـيت محتلة رغم استقلال المغرب في 1956 ، فطانطان التي لم تحرر إلا في 1958، و سيدي إفـنـــي التي لـــم تـحــرر إلا 1969 و الصحراء الـتي حررت في 1975 وسبتة، ومليلية، والجزر الجعفرية ، وحجرة بادس وجميعها لازالت محتلة من طرف إسبانيا حتى الآن؛
قضية الصحراء المغربية
لقد كان ملف الصحراء وتحريرها من طرف المغرب، ولا يزال منذ 1975 و 1978 نقطة الابتزاز الأساسية في العلاقات الخارجية المغربية ومحور هذه السياسة، حتى أنه في العهد الجديد الذي بدأ مع جلالة الملك محمد السادس منذ 1999، والذي تميز بالاهتمام الشديد بالأوضاع الداخلية اقتصاديا واجتماعيا على حساب السياسة الخارجية، لأن المرحلة جعلت قضية الصحراء سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، هي الهدف الاستراتيجي لتحــركــات الـدبـلـوماسية المغربية، ولما كانت واشنطن قد أصبحت ومنذ انهيار المنظومة الاشتراكية السوڤياتية القطب السياسي شبه الوحيد عالميا، فإن السياسة الخارجية المغربية ارتكزت على عملية استمال الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، ورغم بعض الغيوم التي سادت أحيانا سماء هذه العلاقة، مع رفض واشنطن تبديل المبعوث الأممي للصحراء كريستوفر روس، والزيارة العدائية، لوفد بعثة مركز روبرت كينيدي للمغرب، والخلافات التي ظهرت بين الجانبين، فإن العلاقة المغربية الأمريكية، ظلت في الإطار العام جد وثيقة، خصوصا أن وزارة الخارجية الأمريكية ظلت تلعب الدور الأساسي في الحفاظ على الموقف الأمريكي متوازنا، لا يمس الثوابت المغربية في قضية الصحراء المغربية.
وتعتبر واشنطن قضية الصحراء عائقا رئيسيا أمام التعاون الإقليمي في المجالين التجاري، و مكافــحة ما تسميه واشنطن بالإرهاب. وفي هذا الإطار فإن المغرب قدم خدمات أساسية للجهاز الأمني الأمريكي، فيما يتعلق بما يسمى مكافحة الإرهاب، كما أن المغرب استقبل دائما أصدقاء واشنطن المطاح بهم مثل شاه إيران وموبوتو.
وجاءت اتفاقية التجارة الحرة في 2004 مع المغرب ــ أثناء حكم الحزب الجمهوري ــ التي بدأ العمل بها عام 2006 والتي أعفيت بموجبها أغلبية السلع (95 %) من الجمرك، إلا أن هذا لم يشمل الطيران، إذ لا توجد خطوط طيران أمريكية إلى المغرب.
لا سياسة داخلية ناجحة بدون سياسة خارجية ناجحة
إن عدالة أي قضية وعلى الأخص إذا تعلقت بالوحدة الترابية، لا يجب أن تخضع للحسابات الدولية، وإذا كان الضغط الدولي بعد انهيار الاتحاد السوڤياتي في 1991، أصبح لازمة في السياسة الدولية، فإن مواجهة هذه الضغوط لا تكون بقبول الإملاءات لأن المجتمع السياسي الأمريكي، والغربي، بصفة عامة لا يتميز بوحدة الرؤى، فالأمر يتعلق بوجود فاعلين أساسيين في هذه المجتمعات، هي اللوبي العسكري، واللوبي المدني، والتنظيمات الاجتماعية، ومراكز الدراسات، وجماعات الضغط، ومن خلال فهم هذه المجتمعات خاصة المجتمع الأمريكي، يمكن العمل على حل المـشـكــــل الإقليمي ــ كيفما كان ــ على أسس وطنية، وضمن الإقليم وبالعلاقة الجيدة، بدول الجوار الجغرافي للتحرر من الضغط والإملاء الخارجي، وأيضا بنهج سياسة داخلية وشعبية، وخارجية مناضلة، إذ لا سياسة خارجية ناجحة بدون سياسة داخلية ناجحة، وذلك للخروج من بوتقة التدخل الخارجي أو على الأقل التخفيف منه إلى أقصى حد ممكن.
*باحث