إن لم تجد وسيلة تحقق لك الدّخل وأنت نائم؛ فسوف تظلّ تعمل حتّى تموت”
لعل اسم وارن بافيت بات مألوفًا ليس فقط لعشاق الاستثمار، بل لدى الكثير من الناس الذين ألهمتهم قصة حياته ومسيرته الاقتصادية؛ فمن هو وارن بافيت؟
وُلد وارن بافيت في 1930 في ولاية نبراسكا الأمريكية، والده كان سمسارًا للبورصة، وأصبح عضوًا في الكونجرس. أبدى بافيت قدرة كبيرة على إجراء العمليات الحسابية الكبيرة بسرعة مذهلة وذلك في سنٍّ مبكر. بدأ بشراء الأسهم الرخيصة في سن الحادية عشر، وتخرج من المدرسة الثانوية بعمر السابعة عشر.
كان قد جنى حوالي 5000 دولار من الصحف حيث كان بائعًا للجرائد وذلك في عام 1947، وبعد أن التحق بكليّة وارتون للأعمال في جامعة بنسلفانيا، بدأ بافيت بالتذمر من كونه يعرف أكثر من أساتذته الجامعيين! فبقي فيها مدة عامين فقط، وانتقل إلى جامعة نبراسكا لينكولن، وتخرّج من الكليّة بغضون ثلاث سنواتٍ فقط، على الرغم من أنه كان يعمل بنفس الوقت بدوامٍ كاملٍ.
ترك كتاب المستثمر الذكي “The Intelligent Investor” لبنجامين غراهام أثرًا جليًّا في نفس بافيت، مما دفعه للالتحاق بكلية كولومبيا للأعمال، ليدرس على يد المستثمر الشهير غراهام الذي كان يعمل أيضًا مدرّسًا هناك، ليعمل معه بافيت لاحقًا كمحلل سندات في شركة جراهام_نيومان.
أسس شركة بافيت المحدودة Buffet Partnership Ltd سنة 1956، وبفضل المهارات التي تعلّمها من أستاذه غراهام نجح وارن بافيت في التعرف على الشركات التي تُقدّر بأقل من قيمتها الفعلية، الأمر الذي جعل منه مليونيرًا، وكانت شركة بيركشير هاثاواي المعنية بصناعة المنسوجات واحدةً من الشركات التي نجح بافيت في تقديرها، حيث بدأ بتجميع أسهمها واستطاع بحلول عام 1965 أن يمتلك هذه الشركة.
قام بحلّ شركته بافيت الأولى على الرغم من نجاحها، ليطور شركة بيركشير هاثاواي، حيث اشترى أسهمًا في مجال الطاقة والتأمين والإعلام مثل جريدة الواشنطن بوست.
لاحقًا، تمكن وارن بافيت من تحويل الاستثمارات الضعيفة إلى استثمارات ناجحة ومربحة جدًّا، وأصبح مديرًا للعديد من الشركات مثل شركة كوكا كولا، وجيليت وشركة غراهام القابضة وأيضًا مجموعة سيتي القابضة للأسواق العالمية. واستحوذت فيما بعد شركتة بيركشير هاثاواي على العديد من الشركات.
من الجدير بالذكر، أن بافيت تبرع بكامل ثروته للأعمال الخيرية والإنسانية، كان ذلك في عام 2006. إنه واحدًا من أكثر الناس سخاءً، ولمّا كان بافت من أنصار الديمقراطية، فإنه في عام 2016 أطلق حملة Drive2Vote لتشجيع الناس على ممارسة حقهم الانتخابي.
جميعنا نبحث عن الأشخاص الناجحين، لنكتسب من خبراتهم ونحذو حذوهم ونتعلم من أخطائهم، إليك النصائح الذهبية التي أثرانا بها وارن بافيت لتحقيق النجاح:
ابحث مليًّا عن شغفك
من المهم جدًّا أن تعرف بماذا أنت مهتمّ ومولع؟ ما الذي يثير شغفك؟ قد تكتشف ميولك في سن مبكرة وقد تتأخر في اكتشافها، المهم أن تعثر عليها! فإذا عُرف الشغف مات الملل وانتعشت العزيمة. عثور وارن بافيت على هدفه هو الذي مكنه بالاستمرار بالسلطة رغم تقدمه بالعمر، حيث اكتشف هدفه في سن السابعة عندما اقترض من مدرسته كتابًا بعنوان ألف طريقة لكسب 1000 دولار الأمر الذي كان أشبه بومضة إلهام له، ليسير بهذا الاتجاه بقية حياته.
اترك معتقدات الآخرين جانبًا
يقول وارن بافيت إنه لا ينزعج عندما لايتفق معه الناس في أمرٍ معيّن. ويقول بكل صراحة أن هنالك العديد من المجالات لايفهمها بشكلٍ واضحٍ لذلك يبتعد عن الجدال والنقاش فيها، طبعًا معه حق! فلا أحد يستطيع أن يلمّ بكل العلوم، ومع ذلك فهناك العديد من الحقائق التي يفهمها بشكلٍ جيّدٍ، وعندما يختلف معه أحد فيها فإنه يعود لدراسة هذه الحقائق، هذه هي الثقة البعيدة كل البعد عن الغرور.
اختر موظفيك بعناية
يقول بافيت مازحًا إذا كان أحد موظفيك غير نزيه، يُفضل هنا أن يكون بليدًا وكسولًا، على أن يكون يقظًا ولبيبًا. من هذه الطرفة يمكنك أن تخلص إلى أهم صفة عند اختيار موظفيك ألا وهي النّزاهة، ويليها الذكاء والنشاط.
اقرأ ثم اقرأ ثم اقرأ
صرّح بافيت أنه شغوف بالقراءة، إذ أنه يقرأ يوميًّا حوالي 5- 6 ساعات، وهو مهتمٌّ بالصحف والمجلات والأخبار العالمية، إذ أنه يقرأ يوميًّا 5 صحف على الأقل، كما أنه يحب قراءة الكتب ويستلهم من السير الذاتية.
خذ لنفسك هامشًا من الأمان ولا تغامر
هذا ما نصح به وارن بافيت دومًا بعد خبرةٍ كبيرةٍ في عالم الاستثمار، ووضح ذلك من خلال مثال وهو أن الشاحنة التي معها حمولة تقدر بـ 9900 كيلو غرام، عليها أن تعبر جسرًا يتحمل 20000 كيلو غرام بدلاً من الجسر الذي يحتمل 10000 كيلو غرام.
كن منافسًا ذكيًّا
أهم ميزة لتكون منافسًا قويًّا هي أن تُنتِج بأقل التكاليف، فالرأسمالية وفقًا لوارن بافيت هي أن المنافسين سيحاولون الاستيلاء على عملك. وهناك طرق أخرى للمنافسة مثل أن تمتلك موارد أفضل، أو أن تكون موهوبًا في العديد من المجالات.
اختر جدولك الزمني بما يتلاءم مع واقعك وشخصيتك
قد تضطر لحضور الاجتماعات، أو الإشراف على بعض الأمور بحسب ما تفرضه عليك طبيعة عملك، إلا أن وارن بافيت صرح أن يومه غير منظم، وذلك لأن أعماله لديه من يديرها، ومهمته الأساسية هي الحصول على رأس المال، وأن معظم وقته يذهب للقراءة، إلا أنه كان سعيدًا بعمله مع مجموعة قليلة من الناس الذين يحب ويستمتع بالعمل معهم. يمكنك من خلال تحديد طبيعة شخصيتك إن كنت منفتحًا مثلًا أن تحدد جدولك الزمني بما يتلاءم مع ذلك.
الاستمرار بالتنافس أمرٌ هامٌ جدًّا
تمجيد الماضي والاعتماد عليه أمرٌ خطيرٌ، حتى وإن كانت شركتك من الشركات الرائدة، قد صرح بافيت يومًا أن معظم الشركات تموت وتخسر بسبب الرضا الدائم عن الذات، إذ يجب على المستثمرين الشعور ببعض القلق إزاء المنافسين، لذلك عليهم مواكبة الأحداث والتطورات في الشركات المنافسة، وأن تستمر الشركة بالسير إلى الأمام وعدم الوقوف في مكانها حتى لو كانت النتائج مرضية.
وأنا أكتب هذه الأسطر، جال في خاطري الرئيس التنفيذي لشركة نوكيا لمّا بكى بحسرةٍ عندما استحوذت مايكروسوفت على نوكيا، فقال حينها: ” لم نفعل أي شيءٍ خطأ، لكننا خسرنا بطريقةٍ ما”، على الرغم من أن نوكيا كانت شركة محترمة وموظفيها لم يخطئوا في أعمالهم، إلا أن العالم كان قد تغيّر بسرعةٍ كبيرة، وخصومهم كانوا أقوياء للغاية.
ليكن لديك قدوة
كان وارن بافيت شديد الإعجاب والتأثر بالسيد بنجامين غراهام، وعلى الرغم من كونه قرأ الكثير من الكتب عن الاستثمار، إلا أنها لم تؤثر فيه مثلما فعلت كتابات جراهام، وبعد أن درس على يده، عرض بافيت على السيد جراهام العمل لديه في شركته مجانًا، ولتأثره الكبير فيه أطلق على ابنه الثاني اسم معلمه غراهام.
كن مُحبًّا بلا حدود
صرّح بافت بامتنان أن والده أعطاه حبًّا كبيرًا لا حدود له، واعتبر الحب أثمن الهدايا التي يمكن للوالدين منحها لأطفالهما، هذا الحب هو المغذي الأول لكل خطوة في حياة طفلك.
وفي الختام، أود أن ألفت الانتباه إلى أن وارن بافيت وعلى عكس ما يفعل الأثرياء بالعادة، لم يترك لأبنائه إلا جزءًا زهيدًا من ثروته، حتى يتمكنوا من الاعتماد على أنفسهم ويكونوا أشخاصًا مؤثرين في المجتمع. على الرغم من ثروته الهائلة بقي وارن بافيت متواضعًا وإنسانيًّا، إنه فعلًا شخصية ملهمة تستحق التقدير والاحترام.
وكالات