يجد قادة أوروبا أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه مع استمرار تدفق مئات آلاف اللاجئين إلى أوروبا، وهو ما أصبح يفرض عليهم التدخل لإيجاد حل عاجل للأزمة السورية وإن تطلب ذلك التفاوض مع الأسد، خاصة بعد تحركات روسيا الأخيرة.
يبدو قادة أوروبا مصرين أكثر من أي وقت مضى على التوصل إلى حل للأزمة السورية في أسرع وقت ممكن وإن اقتضى ذلك إشراك الرئيس السوري بشار الأسد في هذا الحل،حسبما توجي به تصريحات مسؤولين أوروبيين. وهو أمر قد لا يبدو مستغربا، فأوروبا التي اتخذت طيلة سنوات الصراع في سوريا موقفا يفتقر إلى الصرامة الكافية تجاه ما يجري هناك، أصبحت اليوم معنية بشكل كبير بهذا الصراع بعد موجة نزوح اللاجئين إليها في أخطر أزمة هجرة تشهدها منذ الحرب العالمية الثانية. ويعيش ساسة أوروبا قلقا من نوع آخر أيضا في الوقت الحالي بعد تواتر التقارير عن تعزيز الوجود العسكري الروسي في سوريا خصوصا مع إعلان موسكو أن لديها خبراء عسكريين في سوريا يقدمون المساعدة فيما يتعلق بإمدادات الأسلحة الروسية إلى سوريا، والتي تهدف حسب موسكو إلى محاربة الإرهاب. قلق الأوروبيين من تزايد نفوذ روسيا يقابله قلق أكبر في صفوف المعارضة السورية والدول الإقليمية التي تدعمها وترى في سقوط بشار الأسد أولوية.
توازن أمريكي روسي
منعطف جديد يدخله الصراع في سوريا بعد تحركات روسيا الأخيرة رغم نفيها اتخاذ “إجراءات إضافية” لتعزيز وجودها العسكري هناك. هذا ما يؤكد عليه مراقبون خاصة أن هذه التحركات تتزامن مع الضغط الذي تفرضه أزمة اللاجئين إلى أوروبا. كل هذا أصبح يضع القوى الغربية أمام خيار التفاوض مع الأسد إن كان ذلك هو بداية الحل. ويقول زيدان خوليف أستاذ العلاقات الدولية بجامعة باريس في حوار مع DW عربية، إن تعزيز روسيا لوجودها في سوريا يأتي لحماية مصالحها هناك وعلى رأسها حماية قاعدتها العسكرية في طرطوس التي توليها موسكو أهمية كبرى، فهي لا تريد أن تفقد منفذها إلى المياه الدافئة في البحر المتوسط. ويضيف الخبير الجزائري أن هذه التحركات هي في الأساس لفرض توازن روسي أمريكي في المنطقة ولتعزيز موقف روسيا في أي مفاوضات سياسية مقبلة حول سوريا.
الولايات المتحدة سارعت إلى التحذير من أن أي تدخل عسكري من روسيا سيصعد الأوضاع في سوريا وسيرفع من عدد الضحايا المدنيين كما سيعمق أزمة اللاجئين السوريين، من جهة أخرى اعتبر خبراء، أن إقدام كل من فرنسا وبريطانيا على شن غارات جوية على مواقع تنظيم داعش في سوريا بمثابة رد فعل على التحرك الروسي الأخير، وهو ما دعا بوزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير إلى تحذير كل من روسيا وفرنسا وبريطانيا من لتوسيع العسكري للنزاع الحالي في سوريا.
“شظايا الحرب تصل إلى أوروبا”
من جانبه قال المفتش العام السابق للجيش الألماني هارالد كويات في مقابلة تلفزيونية، إنه يرى فرصا لخطوة دولية جديدة في اتجاه أجل إنهاء الحرب في سوريا، وأضاف الجنرال السابق في الناتو”لقد غضضنا الطرف طويلا عن ما يجري في سوريا وذلك لأن مصالح القوى الكبرى كانت متعارضة، وأبرز عقبة كانت في هذا الإطار إصررا الغرب على الإطاحة بنظام الأسد بينما روسيا كانت تعارض ذلك”.
هذا الطرح يتوافق مع ما يعتبره الخبير الجزائري خوليف تجاهلا أوروبيا لما يحدث في سوريا منذ سنوات ولم يغيره سوى وصول شظايا الصراع في سوريا إلى أوروبا بعد نزوح مئات آلاف اللاجئين وما أصبح يشكله ذلك من ضغط على قادة القارة العجوز “لم تتدخل القوى الغربية بشكل ملموس في سوريا حتى عندما استخدم الأسد السلاح الكيماوي. لم تكن تريد أن تساهم من خلال محاربة الأسد بدعم المعارضة المتشددة، فاتبعت سياسة دع الأمور تتعفن للحد الذي تنفجر فيه الأوضاع ثم نرى حلا. لكن الأمور تطورت بشكل وصلت فيه الشظايا إلى أوروبا فوجدت نفسها تستقبل مئات آلاف اللاجئين الهاربين من هذه الحرب”.
ولعل الضغط الذي أصبحت تمارسة أزمة اللاجئين على قادة أوروبا، خاصة ما يصاحبها من تزايد المواقف الشعبية المؤيدة لاستقبال اللاجئين واختضانهم، هو ما خلق تحولا في مواقف القادة الأوروبيين تجاه الأزمة السورية. إذ دعا وزير الخارجية الإسباني من طهران إلى التفاوض مع الأسد للتوصل إلى وقف إطلاق نار. أما نظيره النمساوي، فقد صرح بأنه يتعين على الدول الغربية التفاوض مع الرئيس السوري في الحرب ضد “داعش”، وأعلن رئيس الوزراء الإيطالي أن بلاده لن تشارك في الغارات الجوية مع التحالف الدولي ضد “داعش” أسوة بمواقف فرنسا وبريطانيا ولتجنب تكرار ما خلفته الإطاحة بالقذافي.
الكاتب والصحافي عبد الباري عطوان اعتبر في مقال له على موقع رأي اليوم أن صدور هذه الأصوات في يوم واحد أمر لافت، ويشكل انقلابا على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وما تتخمض عنه من حروب، “لأن هذه السياسة باتت ترتد عكسيا على أوروبا وأمنها واستقرارها، سواء على شكل تدفق مئات الآلاف، وربما ملايين اللاجئين إليها، وبما يهدد هويتها المسيحية، مثلما تؤكد