محمد أتلاتي
تسارعت الأحداث بباب سبتة، الأيام الماضية، بشكل غير متوقع، رغم أنها كانت منْتظرَة، على الأقل، بالنسبة لأحد طرفي موضوع النزاع، مملكتي المغرب و إسبانيا، ولعل أبرز تلك الأحداث ما تضمنته فيديوهات وصور تناقلتها وسائل الإعلام الكلاسيكي، و وسائل الإعلام الحديثة، فيديوهات وثقت عمليات عبور جماعي نحو ثغر سبتة المحتل، تارة سباحة عبر البحر، و تارة أخرى تسلقا عبر مسالك البر، عمليات قام بها شباب من جنسيات مغربية و أجنبية، كما وثقت تسجيلات أخرى و كانت بذلك شاهدة على الأشكال التي تعاملت بها لجنة الاستقبال، المُشَكَّلَة على عَجَل بالمدينة، من الحرس المدني و الشرطة و قوات الجيش الإسبانية و الصليب الأحمر.
و بالطبع و العادة، فقد اختلفت وجهات نظر الجمهور ومواقفه إزاء تلك الأحداث، سواء بالنسبة لجهة المغرب أو بالنسبة لجهة إسبانيا، فهناك من ناصر طرفا و ناهض آخر، و هناك من برر تصرف هذا الطرف و تغاضى عن فعل ذلك بالنسبة لطرف آخر، و هي بالطبع، في جميع الأحوال، مواقف ذاتية طبيعية تعكس طرق و مستويات التفكير المختلفة لدى الجمهور.
الأحداث التي شهدتها مدينة سبتة ربما كانت نتيجة منطقية لسُنّة تطور العلاقات بين المغرب و جارته الشمالية إسبانيا، و هي عاكسة لموضوع سياسي في جوهره و موضوعه، فإسبانيا لازالت تنظر للمغرب كبلد لم ينشأ إلا أواسط خمسينات القرن العشرين، بينما يعتبر المغرب نفسه دولة عريقة يعود تاريخ تأسيسها لأواخر القرن الثامن الميلادي، وهذا موضوع قد يطول المقال بسرد تفاصيله و إشكالاته، لكن، بصرف النظر عن أهمية الموضوع و تعقيده، و ضرورة تقديم إجابات عملية و فعالة عن أسئلته، فإن السؤال المستتر، الذي لم ينتبه له معظم الناس و لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عنه و استكشافه، هو السؤال المتعلق بـــــ : موضوع الوطن و ماهيته ؟ و ماهية طبيعة العلاقة التي تجمع المواطن به؟
لغةً، الوطنُ يعني المكان، و لذلك يُقال “يَطِنُ” وطناً، أي يقيمُ بِهِ، و أَوْطَنَ المكانَ، اتّخذهُ وطناً، و وَطّنَ بالبلد اتخذه مسكناً ومحلاً، و جاء في لسان العرب أن الوطن هو المنزل تُقيم فيه. و في الاستخدام الحديث للكلمة فإن مصطلح “الوطن” يعني الدلالة على إقليم جغرافي ما معلوم الحدود، و تحكمه “سلطة سياسية” تحضى بقبول الجمهور، وهذا يعني، بالنتيجة، أن وجود جماعة بشرية استقر بها المقام في هذا الإقليم منذ أمد ضرورةٌ لا غنى عنها، أي أن لهذا الإقليم لواء تعيش في ظله جماعة من الناس يُصْطَلَح على تسميتهم : المواطنون.
الوطن كواقع مادي أو كمفهوم قانوني، يُنْظَرُ إلى ترتيب العلاقات معه من طرف المواطن ككائن مثل باقي الكائنات، مادية كانت أم رمزية، و بالطبع، فمما يدخل في جملة العناصر المُشَكِّلَة لهذه العلاقات، تلك العلاقة الربحية بمفهومها المتكامل أي الربح المادي و النفسي، فمن طبائع الإنسان التي جُبِل عليها أنه لا يميل إلى الخسارة، بل يعشق الربح، وبهذا المعنى فإن المواطن ينظر إلى الوطن بمقدار ما يوفره له من رخاء، وهذا ما يعزز تبني فكرة “أنا مواطن في وطني طالما أنا رابح” ما يعني، بحكم مفهوم المخالفة، ظهور فكرة جديدة مفادها : “الخسارة في وطني تدفعني للبحث عن وطن آخر” .
لعل الفكرة هذه، هي من أوحى لأفواج من المغاربة و من بعض الأجناس الأخرى بالنزوح، نحو مدينة يحتلها مُحتل أوروبي، بِنِيَّةِ اتِّخاذها مدخلا للحصول على “وطن جديد” في الضفة الأخرى، “وطن” تشكلت عنه في ذهن النازح صورة مثالية لا تتبدل إلا بعد خضوعها للاختبار و التجريب.
الخلاصة، بحسب اعتقادي، أن المغرب مُلْزَمٌ بإنجاز إصلاحات جوهرية و ضرورية يكون من نتائجها تصحيح الخلل الموجود في علاقة المواطن بوطنه، تصحيح من شأنه أن يعيد للمواطن ارتباطه بوطنه، أما سبتة فهي “جزء من وطن المغرب”.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي “الملاحظ جورنال” وإنما عن رأي صاحبها.