فاطمة تمجردين
مع حلول شهر رمضان، تشهد الأسواق المغربية رواجا كبيرا يتجسد في الإقبال الكبير للأسر المغربية على الاستهلاك بشكل يفوق أحيانا الحاجيات وينحو نحو التبذير والإسراف، وهو ما يتناقض مع مقاصد الصيام والمغزى منه باعتباره فريضة للسمو الروحي والتحكم في المتطلبات المادية.
ويرتكز الرواج على المنتجات الغذائية التي تدخل في تحضير أطباق خاصة حسب العادات والتقاليد التي تميز هذا الشهر، والتي تسارع الأسر إلى اقتنائها قبيل حلول رمضان تحسبا لارتفاع أسعارها.
إلا أن الإقبال الكبير على التبضع لا ينحصر فقط في الاستعدادات لرمضان، بل إن وتيرة الاستهلاك تزداد مع حلول رمضان، خاصة قبل آذان الإفطار، حيث يلجأ الصائم، بفعل تأثير الجوع والعطش، إلى اقتناء ما يفوق حاجياته من المنتجات الغذائية.
تقول السيدة كريمة، ربة بيت، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، وهي تتبضع في أحد الأسواق الشعبية بمدينة الرباط، “بالنسبة لي رمضان شهر الاستهلاك بامتياز مقارنة بباقي الشهور لكني أحرص على شراء جميع مستلزمات رمضان قبيل حلوله بأيام قليلة لأتفادى الاكتظاظ الذي يعرفه السوق وارتفاع الأسعار، من أجل تحضير “شهيوات” رمضان التي لا يخلو منها بيت مغربي بحكم عاداتنا وتقاليدنا التي تميز الشهر الفضيل”.
أما السيدة فتيحة، موظفة، فهي تسابق الزمن وقد تملكتها حالة من التوتر مع حلول رمضان قائلة في تصريح مماثل “الاستعدادات للشهر الفضيل تتطلب الوقت وجهدا كبيرا خاصة بالنسبة للموظفات”، معربة عن أسفها لكون “شهر العبادة والتقرب الى الله يتحول الى شهر للاستهلاك والاسراف”.
ولا تخفي السيدة فتيحة انشغالها من الانفاق الكبير الذي يميز هذا الشهر، معتبرة أن ذلك يؤثر على ميزانية الأسرة، لاسيما مع ارتفاع الأسعار الذي تشهده الاسواق بهذه المناسبة.
وبالنسبة للسيد رشيد، موظف، فيرى أن “العين بصيرة واليد قصيرة”، معربا عن تذمره من ارتفاع الاسعار في رمضان منذ أول أيامه، موضحا “لقد اضطررت إلى الاقتراض لمواجهة متطلبات شهر رمضان لأنه لا يمكن تصور هذا الشهر دون أطباق متنوعة تؤثث مائدة الإفطار”.
وتؤكد المندوبية السامية للتخطيط، في إحدى دراساتها، أن النفقات الغذائية ترتفع خلال شهر رمضان، مقارنة بباقي شهور السنة، مشيرة إلى أن الأسر تعمد، من أجل تغطية تكاليف ارتفاع الاستهلاك الغذائي في رمضان، إلى تقليص النفقات المخصصة للمواد غير الغذائية، وتتمكن من تغطية جزء من الكلفة الإضافية للزيادة في استهلاك المواد الغذائية من خلال تخفيضها ميزانية المواد غير الغذائية.
وأفادت المندوبية، في مذكرة لها حول تأثير شهر رمضان على استعمال الزمن عند المغاربة والأسعار عند الاستهلاك، بأن أسعار المواد الغذائية خلال شهر رمضان الماضي ارتفعت بنسبة 0,6 في المائة.
وحسب المذكرة فإن الارتفاع هم، على الخصوص، أسعار الأسماك والبيض والفواكه، وهي المواد التي تمثل 11,4 في المائة من سلة الاستهلاك الغذائي.
وأكدت أن سعر الأسماك ارتفع بنسبة 4 و4,9 في المائة على التوالي خلال شهري يونيو ويوليوز 2015، مضيفة أن الانعكاس على أسعار البيض قد يصل إلى 2,2 في المائة و2,8 في المائة على التوالي.
وأمام ظاهرة الإفراط في الاستهلاك التي تتزامن مع هذا الشهر، فإن أخصائيي الصحة يحذرون من انعكاساتها السلبية على الصحة، إذ ينبهون إلى أن الإمساك عن الطعام ، ثم تناول ما لذ وطاب من الأطعمة والأشربة دون مراعاة القواعد الصحية في تناول الطعام خلال الإفطار، لا يحقق الفائدة المرجوة من نظام الصوم، بل يتعين على الصائم أن يلتزم بنظام غذائي معتدل ومتوازن، دون إسراف أو تقتير.
ولقد أثبت العلماء أن الصوم يخلص الجسم من السموم ويتيح الفرصة للخلايا والأجهزة الأخرى للقيام بواجبها على أكمل وجه، فيما لا يتأتى لها ذلك إذا لم تكن قد اعتادت على نظام الصوم، كما شرعه الإسلام.
وتتمثل أهم مقاصد الصيام الصحية في التخفيف على المعدة وتطهيرها من الترسبات المتراكمة على مدى 11 شهرا، إذ قال في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم “المعدة بيت الداء والحمية أصل الدواء” وقال أيضا صلى الله عليه سلم “صوموا تصحوا”.
ويتعين على الصائم اتباع الهدي النبوي في الأكل وذلك بعدم الإسراف في ملأ البطن لقول النبي صلى الله عليه وسلم “ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه فإن كان ولابد، فثلث للطعام وثلث للماء وثلث للن ف س”، وفي قول آخر “نحن قوم لا نجوع وإذا أكلنا لا نشبع”.
وفي رأي لحسن سكنفل، رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيرات تمارة، فإن رمضان هو شهر الصيام نهارا والقيام ليلا (صلاة التروايح)، معتبرا أن الإفراط في الأكل والإسراف محرم في الاسلام لقول الله تعالى “و كلوا و اشر بوا و لا ت سر فوا إ نه لا يحب المسر فين “.
وأكد السيد سكنفل، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الإسلام دين الوسطية في كل شيء، فالمسلم يهتم بدنياه كما يهتم بآخرته، ويهتم بجسده كما يهتم بعقله ونفسه وروحه ليحقق التوازن في شخصيته، وفي كل جوانب حياته.
وأضاف أن تصرف المؤمن يتسم بالتوسط بين الإسراف وبين التقتير، أي بين التبذير وبين الشح، قال تعالى “والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما” وقوله تعالى “ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا”، وقول النبي صلى الله عليه وسلم “ما عال من اقتصد” أي ما افتقر من اقتصد في النفقة أي وسطا واعتدالا.
ولعل الالتزام بالصيام باتباع المنهج الصحيح والهدي النبوي من شأنه تحقيق معادلة التوازن بين المقاصد الروحية والمتطلبات المادية
و م ع