الانتخابات التشريعية 2026 .. عزوف يلوح في الأفق وصناديق اقتراع مهددة بالفراغ

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

في ظل تسارع وتيرة الاستعدادات غير الرسمية للاستحقاقات التشريعية المرتقبة سنة 2026، يبرز سؤال جوهري بات يؤرق الفاعلين السياسيين والمراقبين على حد سواء: هل تتحول صناديق الاقتراع إلى “أشباح” بلا ناخبين؟. فبينما تتسارع التحركات الحزبية، تعلو أصوات المواطنين المحبطة من تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، في سياق يتسم بتراجع منسوب الثقة في المؤسسات التمثيلية.

استبقت الأحزاب السياسية المغربية الموعد الانتخابي بما يشبه حملة دعائية مبكرة، اتخذت طابعًا صراعيًا أكثر منه برنامجيًا، تجلى في خطابات قياداتها التي تحوّلت إلى منابر للترويج الذاتي وتبادل الاتهامات، حتى بين مكونات الأغلبية الحكومية نفسها. هذه “التسخينات” الانتخابية، التي قد تبدو في ظاهرها ديمقراطية، تخفي في طياتها قصورًا واضحًا في الاستجابة لأولويات الشارع المغربي، المنهك بهموم الفقر، والبطالة، وغلاء المعيشة.

في مقابل هذا الحراك الحزبي، أظهر آخر استطلاع صادر عن “أفروبارومتر” معطيات مقلقة: 34.1% من المستجوبين أعلنوا نيتهم عدم التصويت، و11.4% عبّروا عن رفضهم القاطع للمشاركة، بينما 33.8% لم يحسموا موقفهم بعد. هذه الأرقام تشير إلى احتمال عزوف انتخابي واسع النطاق، يهدد بنسف شرعية العملية الديمقراطية إذا ما استمر الوضع على حاله.

الأكثر دلالة في هذا الاستطلاع، هو تدني نسبة التأييد الشعبي للأحزاب السياسية. إذ لم يحظ أي حزب بنسبة تأييد تتجاوز 4% من الناخبين المحتملين. فحزب الاستقلال، الذي تصدّر النتائج، لم يحصل سوى على 4%، يليه حزب الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية بـ3.8%، ثم حزب التجمع الوطني للأحرار بـ3.2%. هذه الأرقام تعكس ضعف جاذبية الفاعل الحزبي، وتآكل الثقة بينه وبين الشارع، رغم اقتراب موعد سياسي محوري.

وتُظهر بيانات “أفروبارومتر” أيضًا تصدّعًا في تصورات المواطنين حول نزاهة وشفافية الانتخابات، حيث يرى نحو نصف المستجوبين أن الانتخابات السابقة شابتها اختلالات، بينما صرّح 17% منهم بأنها لم تكن حرة ولا نزيهة على الإطلاق. هذه المعطيات تضع مصداقية المؤسسات الانتخابية نفسها موضع مساءلة، وتثير الشكوك بشأن استعداد الدولة لتوفير الشروط الكفيلة بإجراء اقتراع نزيه وشفاف.

غير أن المفارقة البارزة، تكمن في أن غالبية المواطنين، رغم هذا العزوف والتشكيك، لا يزالون يؤمنون بالمسار الانتخابي كآلية مشروعة لاختيار ممثليهم. فقد عبّر ثلاثة أرباع المستجوبين عن تمسّكهم بمبدأ انتخاب المسؤولين عبر صناديق الاقتراع، فيما اعتبر 57% أن وجود تعددية حزبية يمثل ضمانة لوجود “اختيار حقيقي” أمام المواطنين. هذا التناقض الصارخ بين الإيمان بالانتخابات كآلية، وفقدان الثقة في الفاعل السياسي كأداة، يستدعي تفكيكًا عميقًا لسلوك الناخب المغربي وإعادة بناء العلاقة بين المواطن والمؤسسة الحزبية.

في المحصلة، يُنذر المشهد الحالي بانحدار العمل السياسي نحو بحر من اللامبالاة الشعبية، ما لم تبادر الأحزاب إلى تجديد خطابها، والانخراط الفعلي في حل الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، عوض الارتهان لحسابات انتخابوية ضيقة. فالكابوس الحقيقي الذي يلوح في الأفق ليس في نتائج صناديق الاقتراع، بل في فراغها المرتقب، وفي الشارع الغاضب الذي قد يبحث عن تعبيرات بديلة خارج المؤسسات.

فهل تتدارك الأحزاب المغربية الموقف قبل فوات الأوان؟ أم أن موعد 2026 سيكون شاهدًا على انتخابات بلا ناخبين.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.