الأحزاب السياسية والتراشق الكلامي: خطاب الانقسام في زمن الحاجة إلى التوافق

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

في مشهد سياسي يتسم بكثرة التحديات الاجتماعية والاقتصادية، لا تزال بعض الأحزاب المغربية تُغرق الساحة في سجالات كلامية وصراعات جانبية، مما يثير تساؤلات متزايدة حول مدى التزام الطبقة السياسية بروح المسؤولية، ويعكس حالة من القصور في الانكباب الجاد على قضايا الوطن والمواطن.

تصعيد في الخطاب السياسي

خلال الأسابيع الأخيرة، تصاعدت حدة التراشق الكلامي بين عدد من القيادات الحزبية، سواء في البرلمان أو من خلال الخرجات الإعلامية، حيث لم يتردد البعض في توجيه اتهامات مباشرة، والتشكيك في النوايا، وتبادل اللوم حول اختلالات التدبير والتسيير. هذا التوجه لا يخلو من تأثيرات سلبية على صورة العمل السياسي، إذ يُنظر إليه من طرف فئات واسعة من المواطنين على أنه انعكاس لصراع مصالح حزبية ضيقة أكثر من كونه تعبيراً عن اختلافات في الرؤى أو البرامج.

غياب النقاش حول القضايا الأساسية

المفارقة الكبرى أن هذه السجالات تتزامن مع تحديات كبرى تمر بها البلاد، من بينها ارتفاع تكاليف المعيشة، بطء تعافي الاقتصاد، وتنامي الهشاشة الاجتماعية. ومع ذلك، نادراً ما تجد هذه القضايا صدى قوياً في النقاشات السياسية الدائرة، حيث يغيب التحليل العميق، وتندر المقترحات الواقعية، لصالح خطابات تقابلية لا تقدم حلولاً.

أزمة ثقة مستمرة

هذا المناخ السياسي المتوتر يساهم في تعميق الفجوة بين المواطنين والنخب السياسية. فثقة الشارع في الأحزاب والمؤسسات التمثيلية تتآكل تدريجياً، في ظل انطباع عام بأن الشأن الحزبي لا يعكس طموحات الناس ولا يتجاوب مع انتظاراتهم الملحة. ويعبر العديد من المواطنين عن إحباطهم من ما يعتبرونه “انفصالاً” بين الخطاب السياسي والحياة اليومية.

دعوات إلى التهدئة وتغليب المصلحة الوطنية

في مقابل هذا المشهد، ترتفع أصوات داخل المجتمع المدني وفي بعض الأوساط الأكاديمية والإعلامية، تدعو إلى تجاوز منطق المواجهة والتراشق، والعمل على ترسيخ ثقافة سياسية جديدة تقوم على الاحترام المتبادل، والتنافس على أساس البرامج، وليس على أساس الأشخاص أو المصالح الضيقة.

كما يطالب مراقبون بأن تلعب مؤسسات الوساطة، بما فيها البرلمان والمجالس الدستورية، دوراً أكبر في ضبط إيقاع النقاش العمومي، وترسيخ ممارسات سياسية ناضجة تعيد الثقة في المسار الديمقراطي.

الى ذلك، ففي الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى تلاحم سياسي ومجتمعي لمواجهة الاستحقاقات الكبرى، يبدو أن بعض النخب لا تزال أسيرة حسابات ظرفية. ومع ذلك، فإن مستقبل الديمقراطية المغربية يظل مرهوناً بقدرة الفاعلين السياسيين على التجاوب مع تطلعات المواطنين، والتحلي بروح المسؤولية الوطنية، وتغليب منطق البناء المشترك على منطق التنازع الهدام.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.