يطمـح النمـوذج التنمـوي الجديـد إلـى إحداث نهضـة حقيقية للمنظومـة التربويـة عبر مدرسة مغربية تمكــن كل متعلــم مــن اكتســاب المهــارات الأساســية لضمــان اندماجــه الاجتماعــي، ودعــم نجاحــه الأكاديمـي والمهنـي، وأن تكون المدرسـة بوتقـة لتكويـن شـباب متفتـح يطـور ذاتـه ويصنـع مسـتقبل المغـرب”.
وأوضح تقرير لجنة النموذج التنموي، الذي اطلع عليه موقع “لكم”، أن “تجسـيد هـذا الطمـوح لتجـاوز الأزمـة الثلاثية الأبعـاد التـي يعيشـها النظـام التربـوي المغربـي، من أزمـة جـودة التعلمـات، التـي تتمثـل فـي عـدم إتقـان أغلبيـة التلاميـذ للمهـارات الأساسـية فـي القـراءة والحسـاب واللغـات، فـي نهايـة مسـارهم الدراسـي؛ إلى أزمـة ثقـة المغاربـة إزاء المؤسسـة التربويـة وهيئتهـا التعليميـة؛ وثالها أزمـة فــي مكانــة المدرســة التــي لــم تعــد تلعــب دورهــا فــي الارتقــاء الاجتماعــي وتشــجيع تكافــؤ الفــرص”.
كوفيد يفاقم الوضع
وقــد فاقمــت أزمــة كوفيــد-19 عوامــل الضعــف هاتــه، بحيــث ســاهم توقــف الدراســة خــال الفتــرات الأولــى مــن الحجـر الصحـي وضعـف اسـتعداد النظـام التعليمـي علـى التأقلـم مـع نمـط التدريـس عـن بعـد، فـي تفاقـم التفاوتـات فيمـا يخـص مسـتوى تحصيـل التلاميـذ وإضعـاف أداء المنظومـة التعليميـة بأكملهـا.”.
وبين التقرير أنه “بـدون تحـول عميـق للنظـام التربـوي، لا يمكـن بلـوغ أي هـدف مـن الأهـداف التنمويـة للمغـرب علـى مسـتوى ازدهـار المواطنيـن والتماسـك الاجتماعـي والنمـو الاقتصـادي والادمـاج الترابـي”.
نهضـة تربويـة لتحسـين الجـودة
ويوصي النمـوذج التنمـوي الجديـد بـ”نهضـة تربويـة حقيقيـة لتحسـين جـودة التعليـم بشـكل جوهـري وإعـادة وضـع المدرسـة العموميــة فــي صلــب المشــروع المجتمعــي للمغــرب فــي أفــق 2035 “.
ودعا التقرير لأن “يمتلــك أزيــد مــن 90 %مــن التلاميـذ المهـارات المدرسـية الأساسـية عنـد نهايـة مرحلـة التعليـم الابتدائـي، مقابـل أقـل مـن 30 %حاليـا. ك مـا يقتضـي تحقيـق هـذا الطمـوح تغييـرا نسـقيا يشـمل المحـددات الأساسـية لجـودة التعليـم”.
ولأجل الشـروع فـي إرسـاء النهضـة التربويـة للمغـرب، يدعـو النمـوذج التنمـوي الجديـد إلـى “إصلاحـات طموحـة مـن شـأنها تعزيـز واسـتكمال رؤيـة 2030 والقانـون الإطـار المنبثـق عنهـا، هـذا بالإضافـة إلـى الرفـع مـن قـدرات النظـام التعليمـي مـن حيـث الصمـود والتكيـف مـع أوضـاع تفـرض إكراهـات شـبيهة بتلـك التـي رافقـت الأزمـة الصحيـة كوفيـد-19 مـع إيجـاد حلـول ملائمة للإكراهات المتعلقة بتعميـم وتطوير ربـط المؤسسـات التعليمية بالأنترنـت وتعزيـز كفـاءات المدرسـين فـي مجـال الرقميـات”.
تغييـر عميـق فـي مهـن التدريـس
وفـي هـذا الإطـار، تقتـرح اللجنـة تسـريع ديناميـة التغييـر تسـريعا دالا عبـر أربـع رافعـات قصـد الارتقـاء بجـودة نظامنـا التربـوي والتكوينـي بشـكل جوهري. ويتعلق الأمر بالاستثمار فــي تكويــن وتحفيــز المدرســين قصــد جعلهــم الضامنيــن لنجــاح التعلمــات، لأن جـودة أي نظـام تعليمـي يحددهـا مسـتوى المدرسـين العامليـن بـه. لإنجـاح نهضتـه التربويـة. كما يتعين علـى المغـرب إيلاء الأهميـة الكبـرى لتثميـن هيئـة التدريـس والارتقـاء بمسـتوى كفاءاتهـا وتأطيرهـا وفـق معاييـر مهنيـة صارمـة وجعـل مهنـة ووضعيـة المـدرس أكثـر جاذبيـة قصـد اسـتقطاب الطلبـة المتفوقيـن”.
ولهـذا الغـرض، تعتبـر اللجنة الخاصـة بالنمـوذج التنمـوي بأنـه مـن الضـروري “الشـروع فـي إجـراء تغييـر عميـق فـي مهـن التدريـس. وسيمكـن إطلاق هـذا التغييـر من التحسـين الجوهـري لجـودة تكويـن المدرسـين، الـذي تسـهر عليـه حاليا حوالي عشـرون مؤسسـة.
ويدعو التقرير لـ”تصـور مسـار مهنـي جديـد للمـدرس يهـدف إلـى تقويـة جاذبيــة هــذه المهنــة لــدى الطلبــة المتفوقيــن، مــع حــث المدرســين الممارســين علــى تحســين أدائهــم عــن طريـق توفيـر المزيـد مـن إمكانيـات الترقـي والتطـور فـي الأجـرة المشـروطة حصريـا بالنتائـج”.
ووفقا للتقرير، يتعيـن، كشـرط أولـي لهـذا الإجـراء، وضـع نظـام جديـد لتقييـم المدرسـين يأخـذ بعيـن الاعتبـار أثرهـم الملحـوظ علـى تعلـم التالميـذ وتطورهـم المهنـي. ويجـب أن يكـون إعـداد نظـام تدبيـر المسـار المهنـي المقتـرح موضـوع حـوار مـع كافـة الشـركاء. إعـادة تنظيـم المسـار الدراسـي ونظـام التقييـم لضمـان نجـاح كل متعلـم. فـي إطـار النمـوذج التنمـوي الجديـد الـذي يدعـو إلـى إدمـاج جميـع المواطنيـن، يجـب علـى المدرسـة الوطنيـة أن تحـدد طموحـات عاليـة لـكل طفـل وأن لا تتخلـى عـن أي تلميـذ رغـم الصعوبـات التـي قـد تعترضـه. فجـزء مهـم مـن التلاميـذ معـرض حاليـا لتراكـم النواقـص التـي يصبـح مـن الصعـب تجاوزهـا فـي ظـل تعلمـات ضعيفـة قـد تفاقـم معضلـة الهــدر المدرســي. ولوضــع حــد لهــذه الوضعيــة”.
تعليم أولي إشهادي
كما توصــي اللجنــة بـ”إنشــاء منظومــة متكاملــة للنجــاح التربــوي تتضمـن خمسـة مكونـات”.
أولها تطويـر تعليـم أولـي ذي جـودة، مرتكـز علـى سياسـة قويـة للطفولـة المبكـرة تعطـى فيهـا الأولويـة لتنميـة شـخصية الطفـل، ويتوفـر علـى مكونيـن يحظـون بالتثميـن ويسـتفيدون مـن تكوينـات تتـوج بشـهادات. وثانيها تنظيـم مسـار التلميـذ فـي عـدة مسـتويات للتعلـم عبـر تحديـد المعـارف والمهارات والســلوكيات التــي يجــب اكتســابها مــن طــرف المتعلــم فــي كل مرحلــة مــن مســاره الدراســي قبــل المــرور إلـى المرحلـة المواليـة بشـكل يحـد مـن تراكـم النواقـص، وذلـك بواسـطة آليـة مسـتقلة وموضوعيـة لتقييـم المكتسـبات المدرسـية”.
توسيع تقويم التعلمات
ومن أجل مضاعفـة حظـوظ نجـاح هـذه الآليـة، سـيكون مـن المفيـد وضـع رهـن إشـارة المؤسسـات التعليميــة (الابتدائية والثانوية) مختصيــن فــي معالجــة النقائــص، خصوصــا مقومــي النطــق ومختصيــن تربوييـن نفسـيين ومسـاعدين بيداغوجييـن.
تعزيز نظام التوجيه
كما يطالب التقرير بـ”تعزيـز نظـام التوجيـه المدرسـي مـن خـال وضـع المشـروع الشـخصي للتلميـذ كأسـاس لعمليـة التوجيـه. ويجـب أن تجتمـع عـدة شـروط لضمـان نجـاح هـذه المبـادرة، خاصـة بواسـطة الرفـع مـن أعـداد هيئـة مستشـاري التوجيـه والانفتـاح علـى العالـم المهنـي لجعـل الشـباب يكتشـفون المهـن وفـرص العمـل، وفي الآن نفسه تثميـن مسـار التعليـم المهنـي بجعلـه مسـلكا جذابـا يمنـح فـرص عمـل ملموسـة فـي سـوق الشـغل”.
ولهـذه الغايـة، تقتـرح اللجنـة تحديـد هـدف طمـوح يتمثـل فـي تمكيـن 20 %مـن تلامذة الاعدادي والثانــوي مــن ســلوك المســار المهنــي فــي أفــق 2035 ،مقابــل نســبة تقــل عــن 1 %و5% المسـجلة علـى التوالـي حاليـا”.
تجديد المناهج والمحتويات
كما دعت اللجنة، وفق تقريها، لـ” تجديـد المحتويـات والمناهـج البيداغوجيـة لتعليـم فعـال ومحفـز، إذ يتعيـن علـى المدرسـة المغربيـة إجـراء تحديـث عميـق لبرامجهـا ومقارباتهـا البيداغوجيـة للإنخـراط كليـا فـي القـرن الواحـد والعشـرين. وهو ما يستلزم تطويــر البحــث والتجريــب فــي ميــدان التعليــم لتجديــد طــرق التدريـس علـى أسـس علميـة، وإجراء مراجعـة البرامـج قصـد تنميـة القـدرات الأفقيـة، لاسـيما التفكيـر المسـتقل والفضـول المعرفـي والتواصـل وروح التعـاون. ويجـب أن تكـون لأنشـطة التفتـح الثقافيـة والفنيـة والرياضيـة مكانة أكثر أهمية في هاته المناهج”.
إتقان اللغات والرقميات
ودعا النموذج التنموي لـ” إتقـان اللغـات بالاعتمـاد علـى العلـوم الإدراكيـة لتحديـث طـرق التدريـس، مـع مراجعـة مراحـل إدخـال اللغـات والانتقـال اللغـوي، وذلـك بهـدف إخضـاع خيـارات التدريـس لمعاييـر الفعاليـة التـي تحتـرم كيفيـة اشـتغال دمـاغ الطفـل الـذي قـد يكـون حاليـا معرضـا لوضعيـة التشـبع بسـبب الحمولـة المرتفعـة مـن التدريـس اللغـوي”.
كما طالب التقرير بـ”استغلال الفـرص التـي تتيحهـا الرقميـات لجعلهـا رافعـة قويـة لتحويـل النظـام التربـوي وحاضنـة لممارسـات بيداغوجيـة جديـدة، عـن طريـق تطويـر منظومـة مغربيـة لتكنولوجيــا التربيــة Edtech تدمــج كل المقــاولات والشــركات الناشــئة المســتعملة للتكنولوجيــات الجديــدة، ألجــل تحويــل عالــم التربيــة والتكويــن.
ودعا لـ”ربــط كافـة المـدارس العموميـة بشـبكة الأنترنيـت، بالإضافة إلى المهمـة الجوهريـة للمدرسـة فيمـا يخـص التكويـن وتنميـة الكفـاءات، فإنـه مـن الضـروري أن تكــرس هــذه الأخيــرة دورهــا فيمــا يتعلــق بترســيخ القيــم التــي تنــدرج ضمــن المرجعيــة التاريخيــة والدينيــة لبالدنـا”.
ويجـب علـى المنظومـة التعليميـة أن تسـاهم فـي تطويـر القـدرة علـى العيـش المشـترك، دون إقصاء أو تمييـز، وتدعـم احتـرام الاختلاف وزرع روح الحـوار الجـاد والهـادئ. وللمدرسـة دور هـام أيضـا فـي إشـعاع قيــم المواطنــة، عبــر ترســيخ ثقافــة المنفعــة المشــتركة وإيــاء الأولويــة للصالــح العــام وتحفيــز المشــاركة الوطنيـة مـن أجـل توطيـد روح الانتمـاء والتشـبث بثوابـت الأمـة”.
تعبئة ومسؤولية
ويدعو تقرير لجنة النموذج التنموي ” تعبئــة باقــي الفاعليــن من الأســر، ومؤسســات التأطيــر السوسـيو-ثقافي، ووسـائل الإعلام الذي يكتسـي أيضـا أهميـة بالغـة لتكريـس قيـم المواطنـة وتعزيـز شـعور الفخـر بالانتمـاء إلـى الوطـن، مع جعــل المؤسســات تتحمــل مســؤولياتها لكــي تصبــح محــركا للتغييــر ولتعبئــة الفاعليــن، إذ لا يمكــن تحقيــق تحــول للمدرسـة دون إشــراك جميـع الفاعليــن فـي العمليـة التربويـة”.
مقاربـة تشـاركية ودامجـة
وتقتــرح اللجنـة “مقاربـة تشـاركية ودامجـة لتدبيـر التغييـر بهـدف تجـاوز حـالات المقاومـة وخلـق ديناميـة للتقـدم انطلاقـا مـن أرض الواقـع. ويقتضـي هـذا الأمـر اعتمـاد آليـة محفـزة للإشـهاد علـى جـودة المؤسسـات، على أسـاس تطـوع الفريق البيداغوجـي تحـت إشـراف مديـره.”.
ويمكن لعمليـة الإشـهاد هـذه، وفق ما يقترحها التقرير، أن “يتـم تدبيرهـا مـن طرف هيئة مسـتقلة، وأن تفــرض احتــرام مجموعــة مــن الممارســات الجيــدة فيمــا يتعلــق بتســيير المؤسســة والبيداغوجيــا والحيــاة المدرسـية، وأن تمنـح بالمقابـل امتيـازات للمؤسسـات التعليميـة والمدرسـين”.
ويمكـن للتنزيـل التدريجـي لهـذا ِ”النظـام علـى مسـتوى بعـض المؤسسـات التابعـة لبعـض الجهـات أن يمكـن مـن تقييـم فعاليتـه قبـل تعميمـه علـى مجمـوع التـراب الوطنـي”، وفق ما نقله تقرير لجنة النموذج التنموي.