فضيحة “العمران الشرق”.. اختلاس أموال عمومية بمئات الملايين يكشف هشاشة الرقابة
تكشف التحقيقات الجارية واحدة من أضخم الفضائح التي هزّت الذراع العقاري للدولة بجهة الشرق، بعد أن أطاحت بالمدير العام السابق لشركة العمران الشرق ومسؤولين آخرين، إثر رصد تلاعبات خطيرة همّت مشاريع كبرى وأموالاً عمومية بمئات الملايين من الدراهم.
مصادر مطلعة أوضحت أن المدير العام السابق لم يكتف بتبديد اعتمادات الشركة في مجالات خارج اختصاصاتها، بل ضخ مبالغ ضخمة في حسابات وأطراف لا صلة لها بمشاريع المؤسسة، بينها 315 مليون درهم كتسبيقات غير مبررة، و9 ملايين درهم وُجهت لفريق مولودية وجدة، و36 مليون درهم لفائدة جماعة الناظور دون أي أساس قانوني.
التحقيقات كشفت أيضاً عن صفقات عقارية غامضة، أبرزها تفويت 47 هكتاراً لمقاول بمبلغ لا يتجاوز 25 مليون درهم، خارج أي إطار قانوني، فضلاً عن تحويلات مالية بقيمة 13 مليون درهم لمشاريع لا تدخل ضمن اختصاصات الشركة. كما تم ضبط وثائق إدارية مزورة، بينها محاضر تسلّم لمعدات قيمتها 1,38 مليون درهم لفائدة تعاونية بجرادة، لم تتسلم شيئاً في الواقع.
الأبحاث طالت كذلك 14 صفقة مشبوهة ما بين 2020 و2023، بلغت قيمتها 107 ملايين درهم، تتعلق بالكهرباء والإنارة العمومية. المعاينات الميدانية فضحت عبثاً صادماً: أعمدة إنارة نُصبت في شوارع بركان، لكنها فارغة من التجهيزات أو تحتوي على مفتاح تشغيل وحيد.
ولم يتوقف النزيف عند هذا الحد، إذ تورط المدير التجاري للشركة في شراء عقارات وأراضٍ بأثمنة تفضيلية باسم والده، ليعيد بيعها للمدير العام وأفراد أسرته، شملت فيلا بعين عودة ومحلات تجارية بوجدة ومراكش.
حصيلة الاختلالات كانت كارثية: تبديد يفوق 412 مليون درهم، واختلاس يقارب 198 مليون درهم، أي ما مجموعه 610 ملايين درهم تبخرت من أصل 612 مليوناً كانت موجهة لمشاريع استراتيجية، مثل المركز التجاري “المغرب الكبير” بالناظور، توسعة الحي الجامعي بسلوان، وبناء منتزه ترفيهي بجرادة.
المفتشية العامة للمجموعة الأم كانت السباقة إلى رصد هذه التجاوزات، قبل أن تتولى الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بفاس تفكيك خيوط الملف، الذي يُعتبر من أكبر عمليات استنزاف المال العام بالجهة.
بناءً على هذه المعطيات، وُجهت للمدير العام السابق تهم ثقيلة، تشمل اختلاس وتبديد أموال عمومية، استغلال النفوذ، التزوير واستعماله، إلى جانب إقصاء متنافسين من الصفقات عبر التواطؤ. ومن المنتظر أن تعقد جلسة جديدة لمحاكمته يوم 23 شتنبر الجاري، وسط ترقب وطني لمدى قدرة القضاء على إنزال العقاب الصارم بالمتورطين.
هذه الفضيحة لا تُختزل في مجرد فساد فردي، بل تبرز بوضوح هشاشة منظومة الرقابة وضعف آليات التدقيق داخل بعض المؤسسات العمومية، ما يعرقل مشاريع تنموية حيوية ويُهدر موارد عامة كان يفترض أن تخدم الاقتصاد والمواطنين. ويضع ذلك مسؤولية جسيمة على عاتق الوزارة الوصية والقضاء لضمان المحاسبة الصارمة وصون المال العام من عبث المفسدين.