خطاب الذكرى 20 لعيد العرش- فرجة الإجتماعي لتشخيص السياسي
تقدم مرجعية الخطاب الملكي الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، مساء أمس الإثنين 29 يوليو 2019، في خلاصات المسح الإستقرائي لمستويات التناول التي اعترض موازنتها من خلال حصيلة تقييم الإنتفاع وتقدير التقدير من المشاريع المنجزة، وبكيفية أكثر تحديدا المشاريع الإجتماعية، وبأخرى أكثر تخصيصا استشراف الخطاب إحداث رجة في مواقع المسئولية للحكومة التي يرأسها الدكتور سعد الدين العثماني، بمعنى أن الرؤية الملكية تنطلق في خطاب الذكرى 20 لتربع جلالته على عرش أسلافه الكرام، من فرجة الخط الإجتماعي لتشخيص الأداء السياسي الذي يجعل من زاوية الخطاب زاوية حرجة بدرجة انعكاس العائد المتحقق والربح الناشئ عن استثمار المشاريع وتجاوز التفاوتات والتغاير بين الفئات، ويعمل في حركيتيهما (التفاوت والتغاير) محدودية الإنتفاع بالصيغة الشاملة والكلية، وتتفاوت مع إرادة توقيع التجانس بين مقتضيات الأجرأة للمشروع المجتمعي والسياسي ومحصول الدخل من الإستغلال للمشروعين.
في سياق هذا التخالف الذي شدد خطاب جلالته بنفس الذكرى 20 لعيد العرش في خلاله على إنزال خدمة الوطن والمصالح العليا والقضايا العادلة للمواطن شغلا شاغلا لجلالته لم يذخر جلالته جهدا بالقول المولي (كما يشهد الله أنني جعلت من خدمتك شغلي الشاغل، حتى ينعم جميع المغاربة، أينما كانوا، وعلى قدم المساواة، بالعيش الحر الكريم)، مهيبا جلالته بإجماع الوحدة وروابط البيعة التي تجمع الشعب بالعرش، حول ثوابت الأمة ومقدساتها والخيارات الكبرى للبلاد، والتي مكنت (من مواصلة مسيرة بناء المغرب الحديث، ومن تجاوز الصعوبات، التي اعترضت مسارنا)، يقول جلالته الذي أوضحها بالقول (– وأولها : الملكية الوطنية والمواطنة، التي تعتمد القرب من المواطن، وتتبنى انشغالاته وتطلعاته، وتعمل على التجاوب معها؛
– وثانيها : الخيار الديمقراطي والتنموي، الذي نقوده بعزم وثبات.
– وثالثها : الإصلاحات العميقة، التي أقدمنا عليها، والمصالحات التي حققناها، والمشاريع الكبرى التي أنجزناها؛)
خطاب الذكرى 20 لعيد العرش- عائد لا يتخذ صفة الشمول والبديل نموذج تنموي جديد
واجتذب خطاب الذكرى 20 لتربع جلالته على تقلد أمانة الحكم، المفارقة التي تفارق بين الإنجازات المنجزة التي شكلت نقلة نوعية على مستوى البنيات التحتية (لطرق السيارة، والقطار فائق السرعة ، والموانئ الكبرى، أو في مجال الطاقات المتجددة، وتأهيل المدن والمجال الحضري)، والعائد الذي لا يتخذ صفة الشمول، إذ يبرز خطاب جلالته في شأن ذلك بالقول (ومن منطلق الوضوح والموضوعية، فإن ما يؤثر على هذه الحصيلة الإيجابية، هو أن آثار هذا التقدم وهذه المنجزات، لم تشمل، بما يكفي، مع الأسف، جميع فئات المجتمع المغربي)، ذلك يظهر خطاب جلالته (أن بعض المواطنين قد لا يلمسون مباشرة، تأثيرها في تحسين ظروف عيشهم، وتلبية حاجياتهم اليومية، خاصة في مجال الخدمات الإجتماعية الأساسية، والحد من الفوارق الإجتماعية، وتعزيز الطبقة الوسطى)، مبديا بالقول (ويعلم الله أنني أتألم شخصيا، ما دامت فئة من المغاربة، ولو أصبحتْ واحدا في المائة، تعيش في ظروف صعبة من الفقر أو الحاجة).
ويرتبط هذا العجز في تحقيق الرؤية التنموية التي تستوعب التخالفات الإجتماعية، بعدم قدرة النموذج التنموي المتحرك في إطار الإنتقال والصعود الذي ألزم إجراء المراجعة والتحيين، حيث أن الدعوة إلى بلورة نموذج تنموي جديد يتفاعل مع مكونات التعبيرات الحداثية للدولة الصاعدة، ويلازم معطيات وشروط التغيير في ظل التحول نحو تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، قد تمت في خطاب جلالته أثناء افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية 2017- 2018، حيث قال خطاب جلالته (إذا كان المغرب قد حقق تقدما ملموسا، يشهد به العالم، إلا أن النموذج التنموي الوطني أصبح اليوم، غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة، والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات المجالية ، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية. وفي هذا الصدد، ندعو الحكومة والبرلمان، ومختلف المؤسسات والهيئات المعنية ، كل في مجال اختصاصه ، لإعادة النظر في نموذجنا التنموي لمواكبة التطورات التي تعرفها البلاد).
هذه الدعوة ترفق في خطاب جلالته المخلد للذكرى 20 لعيد العرش، بإعلان الإحداث في إطار أسلوب الإشتغال وبلوغ التحقيق للنموذج التنموي الجديد، للجنة خاصة بالنموذج التنموي، وبمعايير تشكيلة مندمجة، إذ بحسب الإعلان الملكي عنها في الخطاب (تشمل تركيبتها مختلف التخصصات المعرفية، والروافد الفكرية، من كفاءات وطنية في القطاعين العام والخاص، تتوفر فيها معايير الخبرة والتجرد، والقدرة على فهم نبض المجتمع وانتظاراته، واستحضار المصلحة الوطنية العليا)، وهي لجنة يؤكد جلالته (لن تكون بمثابة حكومة ثانية، أو مؤسسة رسمية موازية؛ وإنما هي هيأة استشارية، ومهمتها محددة في الزمن)، كما عليها يوجه جلالته (أن تأخذ بعين الاعتبار التوجهات الكبرى، للإصلاحات التي تم أو سيتم اعتمادها، في عدد من القطاعات، كالتعليم والصحة، والفلاحة والاستثمار والنظام الضريبي؛ وأن تقدم اقتراحات بشأن تجويدها والرفع من نجاعتها)، ذلك، أن تجديد النموذج التنموي بتأكيد جلالته، هو (مرحلة جديدة قوامها: المسؤولية والإقلاع الشامل).
النموذج التنموي الجديد- مرحلة تحديات ومشاريع جيل جديد تبحث عن كفاءات جديدة
ووثق جلالته بأن مرحلة النموذج التنموي الجديد، مرحلة حافلة بالتحديات داخلية وخارجية، حيث هناك كما أوضح ذلك جلالته، رهان توطيد الثقة والمكتسبات- رهان عدم الانغلاق على الذات- رهان التسريع الاقتصادي والنجاعة المؤسسية- رهان العدالة الاجتماعية والمجالية، مُوَطِّنا جلالته بأن (نجاح هذه المرحلة الجديدة يقتضي انخراط جميع المؤسسات والفعاليات الوطنية المعنية، في إعطاء نفس جديد، لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا)، فضلا، عن (جعل مصالح الوطن والمواطنين تسمو فوق أي اعتبار، حقيقة ملموسة، وليس مجرد شعارات)، على اعتبار أن المرحلة الجديدة ستعرف جيلا جديدا من المشاريع بتأكيد الخطاب.
هذا الجيل الجديد من المشاريع في إطار النموذج التنموي الجديد الذي يريده جلالة الملك متجاوزا للنموذج التنموي الذي أصبح متخلفا ومتأخرا في استيعاب حركية “الصعود” التي تشمل القطاعات الإنتاجية الجديدة والبديلة والمتحولة الآخذة بتجديد أنماط وأساليب الإنتاج وإخضاعها لديمومة “الصعود” في استمرار لعمليات “النشوء”، يواكب بإجراء تطعيم منظومة التدبير الحكومي للمشاريع الداخلة في النموذج التنموي الذي دعا جلالته إلى بلورته وصياغته قبل زهاء عامين، وأعلن جلالته في إطاره إحداث لجنة خاصة لاستطلاعه استشاريا، بالمقدرات العالية من الأطر التي تستطيع الإجابة عن أسئلة المرحلة المتعلقة بالنموذج التنموي الجديد، والمكلف إعدادها تبعا لتوجيهات الخطاب من قبل رئيس الحكومة، سعد الدين، الذي أصبح مطالبا بتقديمها في شكل اقتراحات إلى النظر الملكي في أفق الدخول السياسي المقبل، (لإغناء وتجديد مناصب المسؤولية، الحكومية والإدارية، بكفاءات وطنية عالية المستوى، وذلك على أساس الكفاءة والإستحقاق)، الأمر الذي اعتبره رئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني، عبد الرحيم منار اسليمي، في حديث إعلامي، بأن خطاب جلالته “إعلان عن تعديل حكومي قادم مطلوب من سعد الدين العثماني أن يبدأ في مشاورات حول تعديل حكومته بإدخال نخب جديدة قادرة على تقديم جيل جديد من المخططات الكبرى المواكبة للنموذج التنموي”، مفيدا حول ذلك، بأن “التحول القادم يقتضي البحث النخب الوزارية من الأحزاب وخارج الأحزاب، مادامت التجربة الحزبية في اقتراح الوزراء ظلت محدودة ،ومن الواضح أن العثماني مطلوب منه الاستعجال في تقديم مقترحات التعديل”.